قَالَ: وَلَا شَيْءَ أَشْبَهُ بِالْقَعْدَةِ مِنْ قَعْدَةٍ أُخْرَى غَيْرِهَا، هُمَا مَفْعُولَتَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَوَجَبَ قِيَاسُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى.
وَكَقَوْلِهِ: فِي نَفْيِهِ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى نَفْيِ إيجَابِ سَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمَفْعُولَةِ مِنْ الصَّلَاةِ، كَتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، وَذِكْرِ الِاسْتِفْتَاحِ، وَنَحْوِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا ذِكْرٌ مَفْعُولٌ فِي الصَّلَاةِ، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الْأَذْكَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
وَكَقَوْلِهِ: إنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ (لَيْسَ بِفَرْضٍ، لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ) سَائِرَ التَّكْبِيرَاتِ الْمَفْعُولَةِ بَعْدَهَا فِي الصَّلَاةِ لَيْسَتْ فَرْضًا، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَشْبَهُ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ مِنْ سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ الْمَفْعُولَةِ فِيهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا عِنْدَنَا إنَّمَا نَعْتَبِرُهُ مَا وَجَدَ فِي الْأُصُولِ شَبَهًا لِلْحَادِثَةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ.
فَأَمَّا إذَا لَمْ تَجِدْ لِلْحَادِثَةِ شَبَهًا فِي الْأُصُولِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَوْصَافٍ أُخَرَ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ، فَقَالَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ: إنَّهُ يُعْتَبَرُ بِهَا الْجِنَايَةُ عَلَى الْحُرِّ، فَمَا وَجَبَ فِي الْحُرِّ مِنْ دِيَتِهِ وَجَبَ فِي الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ.
قَالَ: وَهُوَ يُشْبِهُ الْحُرَّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْعِبَادَةُ، وَفِي قَتْلِهِ الْكَفَّارَةُ، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا بَيْنَ الْعَبِيدِ.
وَيُشْبِهُ الْبَهِيمَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ سِلْعَةٌ يُبَاعُ وَيُشْتَرَى، وَأَنَّ عَلَى مُتْلِفِهِ الْقِيمَةَ. فَاعْتَبَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الشَّبَهَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ يُضَارِعُ قَوْلَ الْأَصَمِّ مِنْ وَجْهٍ، وَيُخَالِفُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.