وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ يَجِبُ مُرَاعَاتُهَا فِيمَا يَعْتَبِرُهُ الْمُخَالِفُ، فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ الَّذِي يُرِيدُ ضَمَّهُ إلَى الْعِلَّةِ مِمَّا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْحُكْمِ، فَلَمْ تَسْتَقِمْ الْعِلَّةُ إلَّا بِضَمِّهِ إلَيْهَا، ضَمَمْنَاهُ إلَيْهَا، وَاَلَّذِي يَجِبُ ضَمُّهُ إلَى غَيْرِهِ وَجَعْلُهُمَا عِلَّةً هُوَ مَا لَا تَسْتَقِيمُ الْعِلَّةُ إلَّا بِهِ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِوُجُودِهِ، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ قَوْلُ قَائِلٍ لَوْ قَالَ: إنَّ الْعِلَّةَ فِي نَجَاسَةِ سُؤْرِ السِّبَاعِ: أَنَّ السَّبُعَ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ قِيَاسًا عَلَى الْكَلْبِ، فَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ وَالْهِرَّ أَكْلُهُمَا مُحَرَّمٌ وَسُؤْرُهُمَا طَاهِرٌ، فَاحْتَجْنَا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ إلَى تَقْيِيدِ الْعِلَّةِ بِوَصْفَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَأْثِيرٌ فِي الْأَحْكَامِ.
وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: مُحَرَّمُ الْأَكْلِ لَا لِحُرْمَتِهِ، وَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْ سُؤْرِهِ،؛ لِأَنَّا لَوْ اقْتَصَرْنَا عَلَى قَوْلِنَا مُحَرَّمُ الْأَكْلِ لَا لِحُرْمَتِهِ لَزِمَ عَلَيْهِ سُؤْرُ الْهِرِّ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ لَا لِحُرْمَتِهِ، فَاحْتَجْنَا إلَى تَقْيِيدِهِ أَيْضًا بِأَنَّهُ (لَا) يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْ سُؤْرِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّ إلْحَاقُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا فِي صِحَّةِ كَوْنِ الْجَمِيعِ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، لِتَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِهِمَا.
أَلَا تَرَى أَنَّ سُؤْرَ الْكَلْبِ نَجَسٌ، وَسُؤْرَ الْهِرِّ طَاهِرٌ، وَلَمْ يَفْتَرِقَا فِي الْحُكْمِ إلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْكَلْبَ يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْ سُؤْرِهِ فِي الْعَادَةِ، وَلَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ مِنْ سُؤْرِ الْهِرِّ.
وَكَذَلِكَ الْكَلْبُ سُؤْرُهُ نَجَسٌ وَسُؤْرُ الْإِنْسَانِ طَاهِرٌ، مَعَ كَوْنِهِمَا مُحَرَّمَيْ الْأَكْلِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ تَحْرِيمَ أَكْلِ الْكَلْبِ لِنَجَاسَتِهِ، وَتَحْرِيمَ أَكْلِ الْإِنْسَانِ لِحُرْمَتِهِ، لَا لِنَجَاسَتِهِ، فَاعْتَبَرَ شُرُوطَ الْعِلَلِ وَمَا يَصِحُّ ضَمُّهُ إلَيْهَا مِمَّا لَا يَصِحُّ بِمَا وَصَفْنَا.
وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ فِي الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَفِيمَا ذَكَرْنَا تَنْبِيهٌ عَلَى مَا تَرَكْنَا.
وَمِمَّا يُشَاكِلُ مَا قَدَّمْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي دَعْوَى الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي دَعْوَى مَضْمُومِ دَعْوَى الْخَصْمِ، الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ الْمَعْنَى الَّذِي يَدَّعِيه عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْحُكْمِ.
وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِوُجُودِ الْحُكْمِ بِوُجُودِهِمَا، وَارْتِفَاعِهِ بِارْتِفَاعِهِمَا، فَالْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يُرَاعَى الْمَعْنَى الَّذِي ادَّعَاهُ عِلَّةَ الْحُكْمِ، هَلْ كَانَ الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِهِ لِأَجْلِ وُجُودِهِ وَزَائِلًا بِزَوَالِهِ؟ أَوْ كَانَ وُجُوبُ ذَلِكَ الْمَعْنَى غَيْرَهُ؟ فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ هَذَا الْوَصْفُ مَوْجُودًا لِبَعْضِ الْمَعَانِي، وَيَكُونُ