وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ كَاتِبًا كَتَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْئًا مِنْ أَبْوَابِ الْقَضَاءِ، سُئِلَ عَنْهُ، فَكَتَبَ هَذَا مَا أَرَى اللَّهُ تَعَالَى عُمَرَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَمْحُوَهُ وَيَكْتُبَ: هَذَا مَا رَأَى عُمَرُ، وَلَوْ كَانَ رَأْيُهُ وَمَا يُؤَدِّيه إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ حُكْمًا لِلَّهِ تَعَالَى، لَمَا امْتَنَعَ كَأَنَّ يَكْتُبَ هَذَا مَا أَرَى اللَّهُ عُمَرَ. وَبِقَوْلِ ابْنُ مَسْعُودٍ: (فَمَنْ مَاتَ عَنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي، فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي) . وَبِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (أَلَا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ؟ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ، وَلَا يَجْعَلُ الْجَدَّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ؟ مَنْ شَاءَ بَاهَلْته عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ: أَنَّ الْجَدَّ أَبٌ) . وَبِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (مَنْ شَاءَ بَاهَلْته أَنَّ سُورَةَ النِّسَاءِ الْقُصْرَى) نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} البقرة: 234 . وَبِقَوْلِ عُمَرَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: (أَرَأَيْتَ لَوْ رَأَيْت رَجُلًا عَلَى فَاحِشَةٍ. أَكُنْتَ تُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَكُونَ مَعِي غَيْرِي، قَالَ: فَقُلْتُ: لَوْ قُلْتَ غَيْرَ هَذَا لَرَأَيْتُ أَنَّك لَمْ تُصِبْ) .
وَبِمَا رُوِيَ (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سُئِلَ عَنْ صَيْدٍ أَصَابَهُ حَلَالٌ (يَأْكُلُ) مِنْهُ الْمُحْرِمُ؟ فَأَفْتَى بِأَكْلِهِ، ثُمَّ لَقِيَ عُمَرَ، فَأَخْبَرَ بِمَا كَانَ مِنْ فُتْيَاهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَوْ أَفْتَيْتهمْ بِغَيْرِ هَذَا لَأَوْجَعْتُك) . (وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إنَّ شُرَيْحًا يَقْضِي فِي مُكَاتَبٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ: أَنَّ الدَّيْنَ وَالْكِتَابَةَ بِالْحِصَصِ، قَالَ: أَخْطَأَ شُرَيْحٌ) ، قَالُوا: فَقَدْ أَجَازَ هَؤُلَاءِ الْخَطَأَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي اجْتِهَادِهِمْ، وَأَنْتُمْ لَا تُجِيزُونَهُ عَلَيْهِمْ.