فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر: 9 وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} القيامة: 17 {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} القيامة: 18 {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} القيامة: 19 . وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لَهُ أَبَدًا وَأَنَّ الْبَيَانَ بِهِ حَاصِلٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ إذْ لَمْ يَخُصَّ وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ وَلَا قَوْمًا مِنْ قَوْمٍ، وَقَالَ تَعَالَى: {إنْ هُوَ إلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} التكوير: 27 فَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَهُ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَذَلِكَ يُؤْمِنُنَا وُقُوعَ نَسْخِ تِلَاوَتِهِ وَرَسْمِهِ، لِأَنَّ مَا رَفَعَ وَأُنْسِيَ وَلَمْ يُنْقَلْ لَا يَكُونُ ذِكْرًا لِلْعَالَمِينَ، وَقَالَ تَعَالَى: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} الأنعام: 19 فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مُنْذَرٌ بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ فِي (كُلِّ) الْأَوْقَاتِ وَمَا رُفِعَ لَا يَصِحُّ الْإِنْذَارُ بِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} فصلت: 41 {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فصلت: 42 وَهَذَا يَمْنَعُ جَوَازَ (رَفْعِهِ) ، وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} الإسراء: 9 ، فَأَخْبَرَ أَنَّ جَمِيعَهُ يَهْدِي وَلَمْ يَسْتَثْنِ وَقْتًا مِنْ وَقْتٍ فَوَجَبَ أَنْ تُوجَدَ الْهِدَايَةُ فِي جَمِيعِهِ أَبَدًا.
وَقَالَ تَعَالَى: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} البقرة: 97 وَذَلِكَ خَبَرٌ عَنْ جَمِيعِهِ. وَالْجَوَابُ: بِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ نَسْخِ رَسْمِهِ وَتِلَاوَتِهِ كَمَا لَمْ تَمْنَعْ (هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ) جَوَازِ نَسْخِ أَحْكَامِهِ وَمُوجِبَاتِهِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَنْتَظِمُ شَيْئَيْنِ، النَّظْمَ وَالْمَعْنَى، فَإِذَا لَمْ تَمْنَعْ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنْ جَوَازِ نَسْخِ أَحْكَامِهِ لَمْ تَمْنَعْ جَوَازَ نَسْخِ رَسْمِهِ وَتِلَاوَتِهِ، وَكَانَتْ مَعَانِي هَذِهِ الْآيَاتِ مَحْمُولَةً عَلَى غَيْرِ جَوَازِ النَّسْخِ.