الْآخَرِينَ (فَإِنِّي لَا) أُجَوِّزُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْخَطَأَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَيَصِيرُ الْكَلَامُ بَيْنَكُمَا فِي إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى امْتِنَاعِ جَوَازِ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ هَذَا السُّؤَالُ.
عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ مُنْتَقَضَةٌ، لِأَنَّهَا تُوجِبُ أَنَّ حَجَرًا لَا يَرْفَعُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عَشَرَةِ رِجَالٍ إنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا أَنْ لَا يَجُوزَ مِنْهُمْ رَفْعُهُ، وَإِنْ كَانَ لُقْمَةً مِنْ خُبْزٍ إذَا كَانَتْ بِانْفِرَادِهَا لَا تُشْبِعُ وَجَبَ أَلَّا تُشْبِعَ، وَإِنْ أَكَلَ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ. وَإِنْ كَانَ جَرْعَةً مِنْ الْمَاءِ إذَا لَمْ تَرْوِ يَجِبُ أَنْ لَا تَرْوِيَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ (مَاءٍ) وَهَذَا فَاسِدٌ. وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ مِمَّنْ يَقُولُ بِالتَّوَاتُرِ لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ لِلتَّوَاتُرِ حُكْمًا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخْبِرَيْنِ إذَا كَانَ خَبَرُهُ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ اجْتِمَاعُهُمْ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّا لَمْ نُثْبِتْ حُجَّةَ الْإِجْمَاعِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْتَنِعُ فِي الْعَقْلِ قَبْلَ مَجِيءِ السَّمْعِ جَوَازُ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى خَطَأٍ إلَّا أَنَّ السَّمْعَ مَنَعَ مِنْهُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ» وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ يَقُولُ: اللَّهُ» . وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى (جَوَازِ) اجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى الضَّلَالِ، وَرُجُوعِهَا عَنْ الْإِسْلَامِ.
قِيلَ لَهُ: أَمَّا قَوْلُهُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ» ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْرَارَ تَكْثُرُ فِيهِمْ فَجَازَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الْغَالِبَ الْأَشْرَارُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَالِحُونَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ إذَا جَاءَتْ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ زَالَ التَّكْلِيفُ وَقَبَضَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تِلْكَ الْحَالِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: اللَّهُ.