وقد قال أحد المستشرقين "إن في القاهرة مائتي مطبعة وسبع عشرة، تصدر ما معدله كتاب أو نشرة واحدة في اليوم " ثم يستدرك موضحاً أن "أكثرية ما يصدر هو ترجمات للقصص الغربية " (١٤) وهذا يعطينا الدليل على مدى ما وصلت إليه الهجنة، فإن أمة تتجه إلى القصص الغرامية في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى ترجمة العلوم التطبيقية والأخذ بأسباب النهضة لجديرة بهذا الوصف. وقد أخرج هذا الهجين الممسوخ دعوات ونتائج سيئة نذكر منها على سبيل التمثيل ما يلي:
١ - الدعوة إلى الارتماء في أحضان الغرب وأخذ حضارته دون وعي ولا تمييز: وقد تزعم هذا الاتجاه كثير من هجناء الفكر ..... ,
٢ - احتقار الماضي الإسلامي وتربية الأجيال تربية لا دينية حديثة: ولنأخذ مثالاً على هذا ما قاله مؤلف كتاب (مصر ورسالتها):
"عندما فتح العرب مصر عام ٦٤٠م كانت ولاية بيزنطية تحكم من القسطنطينية وعندما غزا الفرنسيون مصر عام ١٧٩٨م وجدوها ولاية عثمانية تحكم من نفس القسطنطينية التي حملت اسماً جديداً وهو استنبول أو الأستانة، ولم يكن حالها عام ١٧٩٨م بأحسن من حالها عام ٦٤٠م، كان الناس في بؤس وذل وكان البلد في خراب ".
فكأن عشر قرناً من تاريخ هذا البلد ضاعت سدى، كأن هذه السنوات الكثيرة قد انقضت ونحن نيام بعيدين (كذا) عن الوجود!.
"شيء لم يحدث في تاريخ بلد مثل مصر أبداً، تصور اثني عشر قرناً ونصف تذهب سدى! قد يقال قد قامت خلالها دول وأمجاد ... ولكنها تلاشت كأن لم تغن بالأمس وعاد المصري - وهو مدار هذا التاريخ ومقياسه - بالضبط كما كان في أواخر عصر الرومان .. "
"ما الذي حدث؟ “.
"الذي حدث أننا تخلينا عن رسالتنا (!) واتجهنا بكليتنا نحو الشرق فاختل ميزان تاريخنا وكان ذلك الانكسار العظيم (١٨) ".
وبناء على هذه الأفكار طولب بتربية الأجيال الجديدة تربية لا صلة لها بذلك الماضي، وها هي ذي بعض نصوص من نشرة مؤتمر التربية العربي المسمى "الحلقة الدراسية العربية الأولى للتربية وعلم النفس":
"يجب أن تعمل التربية العربية على خلق خصائص جديدة في الشخصية العربية الناشئة بحيث تستأصل منها رواسب العصر التركي والاستغلال الاستعماري وتصنع بدلاً منها خصائص مضادة تتحقق بها القومية العربية الشاملة في المستقبل القريب. فالمواطن العربي يجب أن يكون شخصاً تقدمياً يؤمن بفلسفة التغير والتطور يجب أن يعتبر نفسه مسؤولاً عن المستقبل لا عن الماضي ومسؤولاً أمام الأجيال القادمة لا أمام رفات الموتى ... (١٩) "!!.
٣ - تطوير الأزهر (تطويعه): كان الأزهر - رغم تخلفه ورغم تقصيره في إبراز الثقافة الإسلامية المتكاملة - قلعة إسلامية يحسب لها أعداء الإسلام كل حساب، وكان فيه رجال يلتهبون غيرة على الإسلام ويجابهون الطاغوت - داخلياً كان أم خارجياً - بكل جرأة.
فهو الذي قاوم الحملة الفرنسية وقتل أحد منسوبيه قائدها، وهو الذي تزعم الثورة الشعبية سنة ١٩٩١، وفوق هذا كان رابطة إسلامية عامة تهتز لما يحدث على الرقعة الإسلامية الكبيرة ..
ولذلك ظل الأزهر سنين طويلة محط المقت ومصب اللعنات من قبل دعاة التغريب واللادينية، حتى جعلوه رأس المشاكل الثقافية في مصر والعقبة الؤود في سبيل النهضة!.
وأعظم من تجرأ على الأزهر في القرن الماضي - عن حسن نية وربما عن شعور بالنقص - هو خريجه الشهير الشيخ محمد عبده.