خامس عشر: تيارات الليبرالية
جاءت الليبرالية إلى البلاد الإسلامية من خلال الاستعمار المباشر وإعادة تركيب البلاد المستعمرة على أسس ليبرالية تتوافق مع مصالح المحتل، وقد كان للمستغربين تأثير كبير في توسيع نطاق الليبرالية والمطالبة بها.
ولم تكن هناك حاجة ذاتية للفكر الليبرالي في البلاد الإسلامية، وما يوجد من خلل في الأمة الإسلامية في مجال الحريات يمكن علاجه بالالتزام الحقيقي بالإسلام، وهو الكفيل بتحقيق الحرية والعدل في حياتها وهذا يؤكد أن الدعوة لليبرالية ذات مصدر خارجي أجنبي دعمته مجموعة معجبة بالغرب منهزمة أمام حضارته المادية.
وقد كانت البداية في الدعوة إلى الليبرالية تعتمد على الدعوة العامة للحرية واتباع الغرب في نهضته الجديدة للوصول إلى مستواه الحضاري المادي.
وهذه البداية تمت على يد تيارين هما:
- تيار عصراني:
يربط بين دعوته للحرية والإسلام، مع انبهار بالحضارة الغربية، ومحاولة نسبة بعض منجزاتها المحددة للإسلام مثل الحرية الديمقراطية، والتعددية، والاعتراف بالآخر وغيرها.
- تيار علماني: يطالب " بالحرية " على الطريقة الليبرالية الغربية دون الحاجة إلى الربط بالدين، يقول أحمد لطفي السيد " خلقت نفوسنا حرة، طبعها الله على الحرية. فحريتنا هي نحن .. هي ذاتنا، ومفهوم ذاتنا هي أن الإنسان إنسان، وما حريتنا إلا وجودنا وما وجودنا إلا الحرية ". وقد وضع " طه حسين " منهج النهضة في قوله: " هي أن نسير سير الأوروبيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم أندادا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة: خيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يحب منها وما يعاب " (١).ويؤكد ذلك بقوله: " نريد أن نتصل بأوروبا اتصالا يزداد قوة من يوم إلى يوم، حتى نصبح جزءا منها، لفظا ومعنى، حقيقة وشكلا " (٢).
وبهذا يتبين أن هذا التيار طالب بالحرية الغربية دون تهذيب أو تغيير, وقد كان لنصارى العرب دور كبير في ترسيخ هذا الفكر من خلال صحفهم ومؤلفاتهم.
وقد كانت هذه التيارات تهتم بالدعاية للفكر الليبرالي بصورة عامة, ولم تناقشه بطريقة علمية عميقة, ومما يؤكد ذلك أن صعود الليبرالية في البلاد الإسلامية لم يعرف مناهج الليبرالية واتجاهاتها الفكرية, وصراعها العقدي ولهذا لم تتأثر بموجبات المد والجزر لليبرالية الغربية.
وإذا نظرنا إلى واقعنا المعاصر فإننا نجد الوضع قد تغير، حيث تعرف العالم الإسلامي على الليبرالية بشكل أكبر، ولهذا نشأت تيارات متعددة لليبرالية نذكر في هذا المقام أبرز هذه التيارات على النحو التالي: تيار الليبرالية الإسلامية (٣):
وهذا التيار يسعى للتوفيق بين الليبرالية والإسلام ونفي التعارض بينهما، وقد نشأ هذا التيار أول الأمر في " الحركة الإصلاحية " على يد محمد عبده وتلاميذه، ثم بعد ذلك في " مدرسة التجديد " التي بدأت منذ الستينات الميلادية، وبعد أحداث ١١ أيلول أصبح هذا الفكر أكثر بروزا من ذي قبل، وقد اعتنت الدول الغربية به للاستفادة منه في تسويق مشاريعها في البلاد الإسلامية.
(١) ((المورد)) (٦/ ١١٤).
(٢) ((تاريخ الفكر الأوروبي الحديث)) (ص ٣٣٧).
(٣) The World Book Encyclopedia (Liberalism).