ولا ريب أن مقاييس علماء الإسلام في أحكام الكفر تنطبق عليها (الليبرالية) بمجرد معرفة حقيقة الفكرة وتصورها، ومن هذه الأحكام أنها حكم بغير ما أنزل الله استحلالا أو تشريعا.
ولو قال قائل: إن الليبرالية تطبق شريعة الله وحكمه في الحدود والأموال والأسرة وغيرها لأضحك على نفسه كل باحث يعرف مفهوم الليبرالية وتاريخها ومرجعيتها.
وقد تقدم معنا عرض تفصيلي عن الليبرالية اتضح لنا فيه أن الليبرالية عقيدة في الحرية الفردية تعتمد على العقلانية المنكرة للوحي، والمادية المضادة للقيم والأخلاق.
شرك القصد والإرادة (١):
عندما خلق الله تعالى الإنسان خلقه وله إرادة وقصد في كل وقت. فكل عمل يقوم به الإنسان من أعماله الاختيارية لابد أن يكون أراده وقصده قبل ذلك. وهذه طبيعة نفسية فطر الله تعالى عليها الإنسان.
وهذه الإرادة قد تكون لله تعالى فتكون حينئذ توحيدا خالصا، وقد تكون لغير الله تعالى فتكون حينئذ شركا خالصا. وهي مهيأة لأن تكون على التوحيد أو الشرك. أما أن تكون النفس مريدة وليست على التوحيد ولا على الشرك فمحال.
......... وإذا كان عبدا لغير الله كان لابد مشركا، وكل مستكبر فهو مشرك، ولهذا كان فرعون من أعظم الخلق استكبارا عن عبادة الله، وكان مشركا ... بل الاستقراء يدل على أنه كلما كان الرجل أعظم استكبارا عن عبادة الله، كان أعظم إشراكا بالله، لأنه كلما استكبر عن عبادة الله ازداد فقرا وحاجة إلى مراده المحبوب الذي هو مقصود قلبه بالقصد الأول، فيكون مشركا لما استعبده من ذلك، ولن يستغني القلب عن جميع المخلوقات إلا بأن يكون الله مولاه، الذي لا يعبد إلا إياه " (٢).
وعلى هذا: فمن جعل الله تعالى همه وغاية مراده وقصده فهو محقق للتوحيد، لأن الإرادة الناشئة عن محبة الله تعالى والافتقار إليه وجعله غاية القصد هي أصل التأله والتعبد له تعالى، وإذا لم تكن إرادة الإنسان وهمه وقصده لله تعالى فلا بد أن تكون لغيره، وخلو القلب من هذا وذاك أمر مستحيل، وهذا الغير يكون حينئذ شريكا لله تعالى.
........ وعلى هذا: فمن اتبع هواه مطلقا، وانصرف إلى الدنيا وآثرها، فقد أصبح عبدا لها، مشركا في الألوهية، خالدا في النار، ويدل لذلك قوله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ هود:١٥ - ١٦. وقوله تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ الشورى: ٢٠، وقوله تعالى: مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا الإسراء: ١٨. وقوله تعالى: فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى النازعات:٣٧ - ٤١. وهذا الشرك المخرج من الملة هو عندما يكون الباعث له على العمل وقصده منه إرادة الدنيا وقصدها.
(١) ((الزلزال العراقي)) (ص ١٨٤) لخالص جلبي.
(٢) كتاب الرياض الإلكتروني ((حروف وأفكار)) (ص٥) لمحمد بن علي المحمود, في مقال له بعنوان (المتهمون بالإرهاب) , وقد نشر في جريدة الرياض بتاريخ: ١٤/ ٧/٢٠٠٥م.