ومنهم طائفة من أهل الملل الأخرى كاليهود والنصارى الموجودين في بعض بلاد المسلمين، والذين يرون في الديمقراطية نجاة لهم من الخضوع للنظام الإسلامي، في نفس الوقت الذي يتمكنون فيه من احتلال مراكز قيادية في ديار المسلمين في ظل هذا النظام، ما كان لهم أن يحتلوها في ظل النظام الإسلامي.
الوقفة السابعة: وسائل الديمقراطيين والعلمانيين وغيرهم في محاربة النظام الإسلامي:
للديمقراطيين والعلمانيين وغيرهم من أعداء الإسلام وسائل متعددة في محاربة النظام السياسي الإسلامي نظام " الخلافة "، وهذه الوسائل " تختلف " من بلد إلى بلد ومن زمان إلى زمان آخر بحسب وعي الشعوب المسلمة وفهمها لدينها ولنظامه السياسي، وبحسب قوة أو ضعف الصحوة الإسلامية فيه، فعلى حين تكون الحرب سافرة في البلاد التي يقل فيها وعي شعوبها بدينهم، أو تكون الصحوة فيها صحوة ضعيفة أو جزئية غير شاملة، تكون الحرب خفية أو غير صريحة في البلاد ذات الوعي القوي أو التي فيها صحوة قوية شاملة غير جزئية، ونحن هنا نرصد بعض الوسائل – لا كلها – التي من خلالها يقومون بمحاربة النظام الإسلامي للحيلولة دون رجوعه مرة أخرى.
١) فمن هذه الوسائل زعمهم أن الإسلام ليس فيه نظام سياسي، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن من عمله إقامة دولة وإدارتها، وأن عمله لم يتجاوز حدود البلاغ والإنذار المجرد من كل معاني السلطان، وأن الخلافة ليس لها سند من الدين، وأن بيعة أبي بكر رضي الله عنه كانت بيعة سياسية ملكية قامت على أساس القوة والسيف، وأن الإسلام بريء من تلك الخلافة التي يعرفها المسلمون، وأنه لا شيء في الدين يمنع المسلمين من أن يسابقوا الأمم الأخرى في علوم الاجتماع والسياسة كلها، وأن يهدموا نظام الخلافة ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له واستكانوا إليه، وأن يبنوا قواعد ملكهم ونظام حكومتهم على أحدث ما أنتجت العقول البشرية، وأمتن ما دلت تجارب الأمم على أنه خير أصول الحكم.
كانت تلك إحدى وسائلهم وهي إنكار النظام السياسي في الإسلام جملة، وكانت هذه الكلمات السابقة هي مجمل ما افتراه على النظام السياسي الإسلامي الشيخ علي عبد الرازق القاضي الشرعي في كتابه: (الإسلام وأصول الحكم)، وممن قفا قفوه في إنكار النظام السياسي الإسلامي الكاتب خالد محمد خالد في كتابه: (من هنا نبدأ). لكنه بفضل الله وحده وقف لهم العلماء بالمرصاد وبينوا كذبهم وافتراءهم ومخالفتهم للنصوص القاطعة من الكتاب والسنة وإجماع الأمة (١)، ولهذا لم يكن عجبا أن تعقد جلسة محاكمة للشيخ علي عبد الرازق من قبل شيخ الأزهر وباجتماع هيئة كبار العلماء ويتم فيها إخراجه من زمرة العلماء، لكن في الحقيقة إن الذي أتاه علي عبد الرازق إنما يخرجه من زمرة المسلمين لا من زمرة العلماء فقط. وقد خفت بحمد الله هذا الصوت بل محق، فلم نعد نسمع به، ولم يعد أحد يجرؤ على ترديده بعدما تبين عواره وبعدما افتضح أمر الداعين إليه، وأنهم إنما كانوا يرددون كلاما نقلوه من كلام أعداء الإسلام (٢).
وإذا كانت هذه الصورة من إنكار النظام الإسلامي صورة فجة ومستقبحة، فإن هناك صورة أخرى لإنكار النظام الإسلامي ولكن بطريقة أكبر ذكاء وأشد خبثا من الطريقة الأولى، وهذه الطريقة تعتمد على الهجوم على مصادر التشريع في الإسلام، وإخراجها عن أن تكون مصدرا للأحكام السياسية، وتوضيح ذلك فيما يلي:
(١) انظر: ((نواقض الإيمان الاعتقادية)) (٢/ ٦٦ - ٦٨).
(٢) انظر: ((حول الكلام في الفرق بين التكذيب والاستحلال)): ((نواقض الإيمان الاعتقادية)).