ثانيا: بداية ظهور القومية العربية
لا يعرف على وجه الدقة تحديد نشأة الحركات والأفكار في الغالب أما بالنسبة للقومية فإن الباحثين يذكرون أن ظهورها في أوروبا كان في الفترة التي كان رجال الفكر والتحرر – كما يسمون أنفسهم – يبحثون عن بديل للعقيدة النصرانية الخرافية الجائرة والانفلات من قبضة رجال ذلك الدين الجامد المتخلف وكان ذلك في حدود القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين واشتد عودها في القرن التاسع عشر الميلادي، وقد أثنى دعاة القومية على الثورة الفرنسية التي كانت هي البداية الأولى لظهور القوميات حيث عرف بعدها أن الحكم يجب أن يكون للشعوب وليس لفئة من الناس هم الحكام وأن الحرية يجب أن تشمل جميع الأمة بالتساوي وشعار الجميع الإخاء وأصبح هذا المبدأ الثلاثي الحرية، المساواة، الإخاء هو مصدر إلهام الجماهير في زعم دعاة القومية وقد زعموا أن القومية العربية إنما أثارها التوجه الأوروبي للقومية حيث نشأ دعاة القومية العربية متأثرين بذلك التيار في أوروبا فأصبحوا يلهثون للحاق بركبهم، والواقع أن الذي أثار القومية العربية وكان لهم اليد الطولى في الدعوة إليها في بلاد المسلمين إنما هم النصارى العرب لإدراكهم فائدة التفاف العرب المسلمين على القومية بدلا عن الدين الذي لا يتوافق مع دمج المسلم وغير المسلم في حظيرة واحدة، فجاء القوميون العرب من النصارى وغيرهم وأخذوا يكيلون المديح لهذه القومية وأن العرب في حاجة شديدة إلى قيامها إن أرادوا العزة والمنعة واحترام سائر الأمم لهم بزخرف من القول وظلت تستعر نارها وتشتد تدريجيا من معين الحقد على الدولة العثمانية.
ظهرت بدايات الفكر القومي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين متمثلة في حركة سرية تألفت من أجلها الجمعيات والخلايا في عاصمة الخلافة العثمانية، ثم في حركة علنية في جمعيات أدبية تتخذ من دمشق وبيروت مقرًّا لها، ثم في حركة سياسية واضحة المعالم في المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس سنة ١٩١٢م.
وفيما يلي إشارة إلى أهم الجمعيات ذات التوجه القومي حسب التسلسل التاريخي:
ـ الجمعية السورية: أسسها نصارى منهم: بطرس البستاني وناصيف اليازجي سنة ١٨٤٧م في دمشق.
ـ الجمعية السورية في بيروت: أسسها نصارى منهم: سليم البستاني ومنيف خوري سنة ١٨٦٨م.
ـ الجمعية العربية السرية: ظهرت سنة ١٨٧٥م ولها فروع في دمشق وطرابلس وصيدا.
ـ جمعية حقوق الملة العربية: ظهرت سنة ١٨٨١م ولها فروع كذلك، وهي تهدف إلى وحدة المسلمين والنصارى.
ـ جمعية رابطة الوطن العربي: أسسها نجيب عازوري سنة ١٩٠٤م بباريس وألف كتاب يقظة العرب.
ـ جمعية الوطن العربي: أسسها خير الله خير الله سنة ١٩٠٥م بباريس، وفي هذه السنة نشر أول كتاب قومي بعنوان الحركة الوطنية العربية.
ـ الجمعية القحطانية: ظهرت سنة ١٩٠٩م وهي جمعية سرية من مؤسسيها خليل حمادة المصري.
ـ جمعية (العربية الفتاة): أسسها في باريس طلاب عرب منهم محمد البعلبكي سنة ١٩١١م.
ـ الكتلة النيابية العربية: ظهرت سنة ١٩١١م.
ـ حزب اللامركزية: سنة ١٩١٢م.
ـ الجمعيات الإصلاحية: أواخر ١٩١٢م وقد قامت في بيروت ودمشق وحلب وبغداد والبصرة والموصل وتتكون من خليط من أعيان المسلمين والنصارى.
ـ المؤتمر العربي في باريس: أسسه بعض الطلاب العرب سنة ١٩١٢م.
ـ حزب العهد:١٩١٢م وهو سري، أنشأه ضباط عرب في الجيش العثماني.
ـ جمعية العلم الأخضر: سنة ١٩١٣م، من مؤسسيها الدكتور فائق شاكر.
ـ جمعية العلم: وقد ظهرت سنة ١٩١٤م، في الموصل.· هذا وقد ظلت الدعوة إلى القومية العربية محصورة في نطاق الأقليات الدينية غير المسلمة، وفي عدد محدود من أبناء المسلمين الذين تأثروا بفكرتها، ولم تصبح تياراً شعبيًّا عامًّا إلا حين تبنى الدعوة إليها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر حين سخر لها أجهزة إعلامه وإمكانات دولته. ويمكن أن يقال إنها الآن تعيش فترة انحسار أو جمود على الأقل.
المصدر:الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
وكذلك أصبحت الدعوة في تركيا إلى القومية الطورانية التركية، والذين دعوا إلى القومية الطورانية التركية كانوا من اليهود، وهذا شيء ثابت؛ حتى إن أحد المؤرخين الأمريكان اسمه واتسون يقول: (إنه لا يوجد أحد في حركة الاتحاد والترقي - الحركة القومية التركية - من أصل تركي حقيقي، وإنما هم من اليهود وغيرهم! - أي: يدعون إلى القومية التركية وليس فيهم رجل واحد من أصل تركي - والذين يدعون إلى القومية العربية ليس فيهم مسلم، وأكثرهم - أيضاً - أصولهم أعجمية ونصارى).
المصدر:القومية العربية لسفر الحوالي