ومما يبشر بالخير أن الخلافات بين فقهاء المسلمين إنما هي في مسائل فرعية، أي ليست في أصول الدين المعلومة من الدين بالضرورة، وإذا رجعنا إلى أسباب نشأة الخلافات الفقهية المذهبية فسنجد أن الأئمة الأربعة وغيرهم كانوا في رتبة الاجتهاد، فكانوا يختلفون في فهم النصوص والاجتهاد فيها، أو يقع الخلاف لأن بعضهم لم يبلغه النص القاطع للخلاف، ولم يكن منهم أي تعصب لآرائهم، بل كانوا يصرحون بأنه إذا خالفت أقوالهم النص من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فليضربوا بقولهم عرض الحائط، وكانوا يذمون الجمود على الرأي المخالف ويحذرون منه إلى أن انقضت أزمانهم المجيدة، ثم خلفهم أقوام تبلدت أفهامهم وجمدوا على ما وجدوه عن أولئك الأئمة الكرام، وتعصب كل فريق لإمام منهم تعصبا مذموما، إذ أخذ كل صاحب مذهب يشنع على الآخرين ويذمهم ويمدح مذهبه، ويعتقد أنه هو الحق وحده وما عداه هو الباطل دون أن يعير أدنى اهتمام لما يخالف إمامه الذي يتعصب له، بل حتى لو وجد النص الصحيح يخالف إمامه لضرب به عرض الحائط وأخذ بقول إمامه، ووصلوا إلى حد أنه لا يصلي بعضهم خلف بعض، بل وصلوا إلى أمور تدل على مدى حمقهم وتعصبهم الأعمى، وكأنهم اتخذوا أئمتهم أربابا من دون الله في التشريع، وهو أمر كان يغضب أولئك الأعلام ويذمون أهله أشد الذم، ولو تراخت قبضة المسلمين على هذا التعصب وضيق الأفق لكانوا في خير.
ومن الأسباب الحروب:
فقد توالت على المسلمين حروب وفتن كثيرة ومؤامرات شرسة منذ بزوغ فجر الإسلام إلى يومنا الحاضر.
بدأت تلك الحروب والمؤامرات والرسول صلى الله عليه وسلم حي، وتمثلت في مواجهات عسكرية بين المسلمين وأعدائهم من قريش ومن سائر العرب عباد الأصنام، نصر الله فيها نبيه وأتباعه نصرا مؤزرا.
والحقيقة أن تلك المواجهات لم تكن سببا في فرقة المسلمين، بل كانت سببا قويا في تلاحمهم وتعاضدهم، حيث كانوا كالجسد الواحد، لم يستطع أحد من أعدائهم أن يقف في طريق مدهم الذي كان ينساب انسياب النور في الظلام بإذن ربهم.
ولم يمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقر الله عينه بدخول الناس في دين الله أفواجا، ثم خلفه خيرة أتباعه فتولى أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم جميعا، فكان الإسلام فيها في أوج قوته وإشراقه رغم ما كانت تظهر هنا وهناك من منغصات لا تمثل أي تهديد حقيقي للمسلمين، اللهم إلا ما حصل في عهد علي رضي الله عنه حيث انفتحت أبواب الفتن، وبدأ التفرق وظهور المتربصون بالإسلام، وكانت أقوى الفتن تلك الثورة العارمة الهوجاء التي قام بها الخوارج في وجه الخليفة الراشد علي رضي الله عنه.
ثم جاءت الدولة الأموية، فإذا بالمسلمين يستعيدون قوتهم الميمونة، وإذا بهم تعلو كلمتهم ويتابعون نشر نور الإسلام في معارك تم النصر فيها للمسلمين تباعا شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وفي آخر الدولة الأموية أصاب المسلمين الوهن، فإذا بالفتن تثور كالليل المظلم في أكثر من مكان من بلدان المسلمين.
فتسلمت الراية الدولة العباسية، وكان خلفاؤها الأوائل أصحاب نفوذ وكلمة وقوة إلى أن دخلها الضعف فهان المسلمون وتفرقت كلمتهم وهووا من سيء إلى أسوأ، وتوالت المؤامرات المختلفة على الإسلام والمسلمين.
وكان أخطر الحروب التي مرت بالمسلمين تتمثل فيما يلي:
الحروب الصليبية.
الحرب مع التتار.
مؤامرات اليهود.
أما الحروب الصليبية:
فقد بدأت منذ فجر الإسلام بين النصارى على مختلف طوائفهم وبين المسلمين، واستمرت الحرب على أشدها بين مد وجزر إلى أن جاءت الحروب الصليبية التي استفحل أمرها وطمت العالم الإسلامي إلا من شاء الله أن يسلم منهم.