ثالثا: التأسيس وأبرز الشخصيات
بدأ المشرقيون في العالم الإسلامي مع نهاية القرن الثامن عشر ومطلع التاسع عشر بتحديث جيوشهم وتعزيزها عن طريق إرسال بعثات إلى البلاد الأوربية أو باستقدام الخبراء الغربيين للتدريس والتخطيط للنهضة الحديثة، وذلك لمواجهة تطلع الغربيين إلى بسط نفوذهم الاستعماري إثر بدء عهد النهضة الأوربية.
لما قضى السلطان محمود الثاني على الانكشارية العثمانية سنة ١٨٢٦م أمر باتخاذ الزي الأوربي الذي فرضه على العسكريين والمدنيين على حد سواء.
استقدم السلطان سليم الثالث المهندسين من السويد وفرنسا والمجر وانجلترا وذلك لإنشاء المدارس الحربية والبحرية.
قام محمد علي والي مصر، والذي تولى سنة ١٨٠٥م، ببناء جيش على النظام الأوربي، كما عمد إلى ابتعاث خريجي الأزهر من أجل التخصص في أوربا.
أنشأ أحمد باشا باي الأول في تونس جيشا نظاميا، وافتتح مدرسة للعلوم الحربية فيها ضباط وأساتذة فرنسيون وإيطاليون وإنجليز.
افتتحت أسرة الفاجار التي حكمت إيران كلية للعلوم والفنون على أساس غربي سنة ١٨٥٢م.
منذ عام ١٨٦٠م بدأت حركة التغريب عملها في لبنان عن طريق الإرساليات، ومنها امتدت إلى مصر في ظل الخديوي إسماعيل الذي كان هدفه أن يجعل مصر قطعة من أوربا.
التقى الخديوي إسماعيل في باريس مع السلطان العثماني عبد العزيز ١٢٨٤ هـ/١٨٦٧م حينما لبيا دعوة الإمبراطور نابليون الثالث لحضور المعرض الفرنسي العام، وقد كانا يسيران في تيار الحضارة الغربية.
ابتعث كل من رفاعة الطهطاوي إلى باريس وأقام فيها خمس سنوات ١٨٢٦/ ١٨٣١م وكذلك ابتعث خير الدين التونسي إليها وأقام فيها أربع سنوات ١٨٥٢ – ١٨٥٦م وقد عاد كل منهما محملا بأفكار تدعو إلى تنظيم المجتمع على أساس علماني عقلاني.
منذ ١٨٣٠م بدأ المبتعثون العائدون من أوروبا بترجمة كتب فولتير وروسو ومونتسكيوفي محاولة منهم لنشر الفكر الأوربي الذي ثار ضد الدين الذي ظهر في القرن الثامن.
أنشأ كرومر كلية فيكتوريا بالإسكندرية لتربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي ليكونوا أداة المستقبل في نقل ونشر الحضارة الغربية.
قال اللورد لويد (المندوب السامي البريطاني في مصر) حينما افتتح هذه الكلية سنة ١٩٣٦م: كل هؤلاء لن يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية بفضل العشرة الوثيقة بين المعلمين والتلاميذ.
كان نصارى الشام من أول من اتصل بالبعثات التبشيرية وبالإرساليات ومن المسارعين بتلقي الثقافة الفرنسية والإنجليزية، كما كانوا يشجعون العلمانية التحررية وذلك لعدم إحساسهم بالولاء تجاه الدولة العثمانية فبالغوا في إظهار إعجابهم بالغرب ودعوا إلى الاقتداء به وتتبع طريقه، وقد ظهر ذلك جليا في الصحف التي أسسوها وعملوا فيها.
كان ناصيف اليازجي ١٨٠٠ – ١٨٧١ م وابنه إبراهيم اليازجي ١٨٤٧ – ١٩٠٦ م على صلة وثيقة بالإرساليات الأمريكية الإنجيلية.
أسس بطرس البستاني ١٨١٩ – ١٨٨٣ م في عام ١٨٦٣م مدرسة لتدريس اللغة العربية والعلوم الحديثة فكان بذلك أول نصراني يدعو إلى العروبة والوطنية إذ كان شعاره: "حب الوطن من الإيمان". كما أصدر صحيفة الجنان سنة ١٨٧٠م التي استمرت ست عشرة سنة وقد تولى منصب الترجمة في قنصلية أمريكا ببيروت مشاركا في الترجمة البروتستانتية للتوراة مع الأمريكيين سميث وفانديك.
أنشأ جورجي زيدان ١٨٦١ – ١٩١٤م مجلة الهلال في مصر سنة ١٨٩٢م، وقد كان على صلة بالمبعوثين الأمريكان، كما كانت له سلسلة من القصص التاريخية التي حشاها بالافتراءات على الإسلام والمسلمين.