ولهذه الإشكالات وغيرها كان من الطبيعي أن يكون في المجتمعات الإسلامية والعربية شبه إجماع بين أطراف الرأي العام السياسي فيها، ماركسيهم وقوميهم وإسلاميهم يقول بأن العولمة، بالموجهات الرئيسة التي تحركها، لا تتضمن أي جديد بل هي شكل من الاستعمار لا تختلف في أهدافها عن أهداف الموجات الاستعمارية السابقة. فلا يمكن لرأس المال المهيمن، وللشركات العملاقة المتعددة الجنسيات أن تنزع نحو أهداف أخرى غير السيطرة على الأسواق وغزو موارد الكوكب واستغلال العمل المأجور والرخيص أنّى وجد. والفرق بين المشروعين الاستعماريين، القديم والجديد، هو أن المشروع الجديد يحتاج إلى التأقلم مع الظروف العالمية التاريخية المتغيرة، أي صعود هيمنة الولايات المتحدة الأحادية على العالم، وتحويل حلف شمال الأطلسي إلى التحالف العسكري السياسي الوحيد في العالم، وفي خدمة مجموعة صغيرة من الدول الصناعية· كما أن الاستعمار الجديد يستخدم خطابا للمشروعية يشدد على قيم نشر الديمقراطية واحترام حقوق الشعوب بدل الخطاب الذي حرك قوى الاستعمار الأسبق الذي ركز بشكل رئيس على قيم تمدين الشعوب الهمجية، أعني كل الشعوب غير الأوربية، وتحضيرها أو إدخالها في الحضارة الفعلية· ولئن كانت للاستعمار الأول أشكال تدخله العسكرية، فإن الاستعمار الجديد يعمد إلى أساليب جديدة، لا تقل فعالية عن السابقة على الرغم من أنها اتسمت بقسط أكبر من الأغطية القانونية· فالتدخل العسكري الانفرادي والمكشوف للدول الاستعمارية قد ترك مكانه (١) حتى الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد.
المصدر: رسالة المسلم في حقبة العولمة لناصر بن سليمان العمر ص٧
وسواء كانت "العولمة" تعني الكوكبة أو"الكونية" أو "سيادة النموذج الرأسمالي" وهيمنته على العالم, فإن النظام العالمي الجديد الذي بدأ يسود في العالم مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين قد أفرز العديد من النظريات والمصطلحات, منها: نظرية: "نهاية التاريخ" التي تبناها المفكر الياباني الأصل: فوكوياما, والذي اعتبر نهاية الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفيتي نهاية التاريخ بانتصار الرأسمالية ونظرية "صراع الحضارات" لأستاذ العلوم السياسية الأمريكي صامويل هانتجتون, الذي اعتبر نهاية الحرب الباردة, وانتصار المعسكر الغربي على المعسكر الشرقي بداية لصراع طويل وممتد بين الغرب النصراني وحضارته الغربية, والشرق المسلم وحضارته الإسلامية, وأيضا بروز بعض الأفكار والنظريات الأخرى مثل: "ما بعد الحداثة" وغيرها حتى الوصول إلى مصطلح "العولمة".
وقد عقدت العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية لمناقشة مصطلح "العولمة" وأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإن كانت معظمها انطلقت في إطار التوجه المؤيد للمصطلح, الذي يؤيده أصحاب التوجه "الليبرالي" أو المعارضين لها من منطلق أنها "أمركة" أو "تصب في خانة الرأسمالية" من أصحاب التوجهات اليسارية والماركسية, وللأسف لم نجد في العالمين العربي والإسلامي ندوة علمية منهجية تتناول مفهوم العولمة من منظور إسلامي.
ولعل أبرز الندوات والمؤتمرات التي ناقشت قضية العولمة خمسة مؤتمرات في أقل من ثلاثة أعوام.
كما أن بعض الهيئات والمؤسسات والتنظيمات الكبرى في العالم العربي لم تتطرق لمناقشة هذه القضية مثل الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي, أو رابطة العالم الإسلامي!!
(١) رواه الترمذي (٢٦١٦) وابن ماجه (٣٩٧٣) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (١١٣٩٤) قال الترمذي حسن صحيح، وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ومثله قال الذهبي، وصححه الألباني.