قالوا: "إن وجود هذا الكون وما فيه إنما هو نتيجة حركة أجزاء المادة وتجمعها على نسب وكيفيات مخصوصة بوجه الضرورة بدون قصد ولا إدراك. وبسبب تلك الحركة أخذت تتجمع أجزاء المادة المختلفة الأشكال على كيفيات وأوضاع شتى فنتجت تلك المتنوعات"، هذا هو مبلغهم من العلم، إن كل شيء وجد بطبيعته عن طريق الصدفة والحركة التطويرية دون قصد ولا إدراك على أن هذه الطبيعة التي يزعمون أنها تفعل كل ما تريد نجد أن بعضهم لا يحترمها بل يتعمد الإساءة إليها وإهانتها بأنواع السباب واللمز في إرادتها وقوتها ووفاءها. وإليك ما قاله وزير خارجية أكبر دول العالم وأقواها في عتابه المرير وتهكمه بالطبيعة حينما لم تحقق لهم آمالهم وما يطلبونه منها فقد قال "كولن باول"، و"ريتشارد باوتشر": "إننا ندين تخلف الثلج عن موسم الأعياد راجيا الطبيعة الأم أن تعالج هذه المسألة" إلى أن قال: "لا يمكن لشيء أن يبرر إفساد هذا الحدث الهائل، إننا ندعو الطبيعة إلى القيام بمبادرة فورية" وقال: إننا نعتبر استمرار الطبيعة في رفض القيام بواجباتها حيال الدول المتحضرة عملا استفزازيا وغير إيجابي لذلك ندعو الطبيعة إلى اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية بغية تساقط كمية مناسبة وذات مصداقية من الثلوج" وإذا أردت التعليق على هذا الكلام السخيف المملوء بالكبرياء والعنجهية فاقرأ ما كتبه عبد الرزاق السيد عيد بعنوان: "أمريكا تكشف عن وجهها القبيح وتعلن الحرب على الطبيعة" في مجلة التوحيد (١).
فيا ترى ماذا يقصد بالطبيعة الأم؟!! إنه إلحاد وكفر وسخف فما هي الطبيعة الأم التي يتحدث عنها هؤلاء ويقولون إنها هي التي تخلق وتحيي وتميت وترزق من تشاء وتمنع من تشاء، وتخاطب بتلك اللهجة الحارة المفتقرة إلى الأدب؟!! فمن المعروف أن الطبيعة لا تخلو عن:
١ - إما أن تكون هي نفس الذوات الموجودة في الكون، من الحيوان والنبات والجماد، وهذه كما يرى القارئ لا يصح الاستغاثة بها ليتساقط الثلج في موسم الأعياد ليلهو ويلعب بها طغاة اليهود.
٢ - وإما أن تكون هي صفات الأشياء الموجودة في العالم من حركة وسكون وحرارة وبرودة وليونة ويبوسة وغير ذلك، وهذه أيضا كذلك لا تملك لنفسها وجودا ولا عدما.
ومهما كان الجواب فإنه خطأ وجهل شنيع حين يسند إيجاد هذا الكون البديع عن طريق طبيعة لا تعقل ولا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا.
فهل يتصور أحد أن من لا يعقل يخلق من يعقل؟
وهل يستطيع شيء لا إرادة له ولا غاية له أن يخلق كائنا له إرادة وغاية.
إن الإنسان كائن عاقل مدبر وله إرادة وهدف وغاية والطبيعة ليست لها تلك الصفات فهي ناقصة فهل يمكن للناقص أن يوجد الكامل؟
إن هذا الكون محكم متقن لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يس:٤٠
الكواكب محكمة بإتقان، والبحار لا يطغى بعضها على بعض، والحيوانات لا تلد إلا نفس الحيوان من جنسها، والشجرة لا تنبت إلا نفس الشجرة، وقس على هذا سائر ما تراه في هذا الكون، فالإنسان هو الإنسان، والبقرة هي البقرة، والكبش هو الكبش أينما اتجهت في هذه الأرض مما يدل على أن الخالق واحد فكيف تستطيع الطبيعة أن تدبر هذا الكون بهذه الدقة المعجزة التي تشهد آياتها في كل ما حولنا من شؤون الكون والحياة أن لها خالقا قاهرا؟!!، ثم يقال للملاحدة أيضا: هل لأجزاء المادة إرادة وقصد في تنويع المخلوقات في العالم من نجوم وكواكب ومعادن ونباتات وحيوانات وبشر؟ كيف يفترض إنسان أن يكون كل هذا وجد بفعل ذرات الطبيعة الصماء؟
(١) ((انظر المذاهب المعاصرة)) (١١١ - ١١٢).