ثامن عشر: الرد على مزاعم الشيوعية
لقد اتضح من خلال ما مضى أن الشيوعية الماركسية مذهب إلحادي، لا يؤمن إلا بالمادة، ولا يعترف إلا بالمحسوس.
ومرَّ بنا كيف كان الشيوعيون ينظرون إلى الحياة من خلال المنظور المادي، وكيف كانوا يفسرون التاريخ تفسيراً مادياً، إلى غير ذلك من مبادئ الشيوعية وأعمالها.
والرد على مبادئ الشيوعية لا يحتاج إلى كبير جهد؛ ففسادها يغني عن إفسادها، وتصورها كافٍ في الرد عليها، وأدلة الشرع والعقل، والفطرة والواقع تنقض مبادئ الشيوعية.
ولقد مرَّ شيء من الرد على مبادئ الشيوعية من خلال عرضها، وفيما يلي ذكر لبعض التفصيل في الرد على مزاعم الشيوعية، ومبادئها، يتبين من خلاله بطلان هذا المذهب.
١ - الشرع: فأدلة الشرع أكبر برهان على بطلان الشيوعية، فهي تدل على وحدانية الله - عز وجل - وعلى صدق رسله - عليهم السلام -.
فالله - عز وجل - أرسل الرسل من لدن نوح إلى محمد - عليهم السلام - بالتوحيد الخالص فكلهم يدعون إلى عبادة الله وحده، وإفراده بالعبادة دون من سواه.
قال -تعالى-: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ النحل:٣٦، وهذه الدعوة التي جاء به الرسل الكرام - عليهم السلام - توضح العلاقة بين العبد وربه، وتكفل للبشرية أن تعيش بسعادة وهناء.
ثم إن عبادة الله -عز وجل- هي الغاية التي خلق من أجلها الجن والإنس، قال -تعالى-: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ الذاريات:٥٦.
ثم إن القرآن بإعجازه وببلاغة أسلوبه، وشدة تأثيره، وإخباره عن الغيوب الماضية والمستقبلة، وتضمنه لمصالح العباد في دنياهم وأخراهم، وصلاحه لكل زمان ومكان وأمة - لأكبر برهان على بطلان الشيوعية التي تدعو إلى الإلحاد، وتكفر بكل دين. إضافة إلى ذلك فالحقائق العلمية تشهد للقرآن والسنة بالصحة؛ فمع اتساع علوم الطبيعة وما استجد من العلوم العصرية لم يأت علم صحيح ينقض شيئاً مما جاء في القرآن والسنة الصحيحة، مع أن الذي جاء بتلك الحقائق نبينا محمد الأمي " (١).فالعلم الصحيح لا يناقض النقل الصحيح، بل يتفق معه تمام الاتفاق، كما لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً، وإذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة - فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له، وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته؛ لأن صريح القرآن وحقيقة الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً (٢).
وهذا ما قرره العلماء في القديم والحديث ولقد بنى شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) على هذه القاعدة.
بل لقد صرح كثير من الكتاب الغربيين بهذه الحقيقة، ومنهم الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) في كتابه (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم).
(١) انظر: ((المذاهب المعاصرة)) (١٩٢ - ١٩٤).
(٢) راسبوتين: هو جريجوري يفيمتش راسبوتين، راهب روسي فاجر ١٨٧٢ - ١٩١٦م. كان أمياً، وبرغم ذلك سيطر على القيصر وزوجته عن طريق شعوذته، وقد استغل نفوذه الطاغي بصورة شريرة، وتلاعب بالساسة، واتسم سلوكه الشخصي بالتهتك، إلى أن اغتاله فريق من طبقة النبلاء بزعامة الأمير يوسوبوف. انظر ((المغني الوجيز)) (١/ ١٧٩).