وأين هي من العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء، والبغي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؟.
وأين هي من الوفاء بالعهود، والحقوق، والعقود؟.
إنها دعوة تقوم على العداوات بين الطبقات وتأليب بعضهم على بعض. والمجتمعُ الإنساني المطمئن لا يقوم إلا على التوادد والتراحم، والتآخي (١).
ومن هنا يستحيل أن تتزكى النفوس، وتتهذب الأخلاق بعلوم المادة؛ فكل إناء بما فيه ينضح، والتجارب أكبر شاهد على ذلك؛ فمع تطور علوم الملاحدة عجزوا كل العجز عن تهذيب النفوس وإصلاحها.
٨ - سيرة أرباب الشيوعية: فلقد مر بنا شيء من سيرة أرباب الشيوعية وأساطينها، وما كانوا عليه من الشذوذ والفساد، والتسلط والطغيان، فكم هدموا من فضائل، وكم أقاموا من شرور ورذائل، حتى هبطوا بالبشرية إلى أسفل سافلين، فَشَقُوا وأَشْقَوا، وضلوا وأضلوا؛ فماذا يرجى من مذهب هؤلاء أربابه ومُنَظِّروه؟
ثم إن أكبر الدلائل على رشد الرشيد، وسفه السفيه تصرفاتُه، ونتائج أعماله.
وهذه آثار الشيوعيين تدل عليهم؛ فأين سير هؤلاء من سير الأنبياء - عليهم السلام - وأتباعهم؛ حيث هَدَوا البشرية إلى كل عقيدة صالحة، وإلى كل خلق جميل، ونهوا عن ضد ذلك؛ فانتشرت الرحمة، وعم الصلاح بسبب ما جاؤوا به، بعكس الشيوعيين تماماً بتمام.
٩ - كثرة الخلافات بين الشيوعيين: سواء بين أرباب الشيوعية أو بين دول المعسكر الشيوعي، مما يدل على بطلانها، وزيفها وقد مر شيء من ذلك فيما سبق.
١٠ - رجوع كثير من كتاب الشيوعية عنها، واعترافهم ببطلانها: ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في كتاب (الصنم الذي (٢) هوى) ذلك الكتاب الذي اجتمع على تأليفه - دون موعد - ستة من كبار كتاب الغرب، آمنوا بالشيوعية، ثم نفضوا أيديهم منها يوم أن انكشفت لهم حقيقتها.
وإليك نماذج من بعض ما قالوه عن الشيوعية:
أ - يقول آرثر كستلر - بعد تجربته مع الشيوعية ودخوله فيها بعد خروجه من السجن -: إن الدرس الذي يتعلم الإنسان من خبرة كهذه لا يكاد الإنسان يضعه في كلمات حتى يبدوا أمراً عادياً؛ لقد تعلمت أن الإنسان هو الحقيقة، أما الإنسانية فتجريد، وأن الناس لا يمكن أن يعاملوا على أنهم وحدات في عملية حساب سياسية؛ لأنهم يتصرفون كرموز الصفر، واللانهائي التي تعطل كل العمليات الرياضية، وأن الغاية لا تبرر الواسطة إلا في حدود ضيقة إلى أبعد الحدود، وأن علم الأخلاق ليس شيئاً تابعاً للمنفعة الاجتماعية، وأن البر ليس عاطفة بورجوازية تافهة، بل هو القوة الجاذبة التي تمسك المدنية في مدارها. لقد كان كل ما تعلمته يتناقض مع العقيدة الشيوعية التي آمنت بها. (٣).ب - ويقول لويس فيشر (٤) بعد تجربته مع الشيوعية: إن تأييدي السابق للنظام السوفيتي قادني إلى خطأ آخر حين ظننت أن نظاماً يقوم على قاعدة (الغاية تبرر الواسطة) يمكن أن يخلق عالماً أفضل، أو إنساناً أفضل؛ إن الواسطة الفاجرة لا تؤدي إلا إلى غاية فاجرة، وأفرادٍ فجرة سواء في النظام البلشفي أو الرأسمالي. إلى أن قال: إن الدكتاتورية ترتكز على نهر من الدماء، وبحر من الدموع، وعالم من الآلام.
وكلها نتائج لوسائلها القاسية؛ فكيف تستطيع - إذن - أن تجلب الفرح، أو الحرية، أو السلام الداخلي أو الخارجي؟
(١) انظر ((الشيوعية)) للعقاد (٢٠٢ - ٢٢٠)، و ((الكيد الأحمر)) (ص٢٤٩)، و ((الشيوعية وموقف القرآن منها)) (ص١٣٨)، و ((الموسوعة الميسرة)) (٣١١ - ٣١٢)، و ((دعاة على أبواب جهنم للحصين)) (ص٥).
(٢) ((المذاهب المعاصرة)) (ص١٧٣).
(٣) ((العلمانية)) د. سفر الحوالي (ص٤٤٦).
(٤) (٥٠٦) انظر لهذا التقسيم ((مذاهب معاصرة)) لمحمد قطب (ص ٣٠٢).