وبالجملة فإن البلاد التي ساد فيها النظام الشيوعي قد تحولت إلى سجن كبير لا مكان فيه لحرية الرأي، ولا يستطيع الفرد أن يفصح عما يدور في خلده تجاه النظام؛ فهو يعيش في رعب دائم، وقلق مستمر.
٨ - إهدار كرامة المرأة: فالمرأة في النظام الشيوعي أداة من أدوات الإنتاج للأطفال، وما دامت أدوات الإنتاج الأخرى على الشيوع فينبغي أن تكون المرأة كذلك.
ولقد تحققت شيوعية المرأة في مجتمعهم بصورة مستترة، لكنهم يريدون أن يتحول الواقع إلى نظام علني.
لقد أراد ماركس بمخططه أن تكون كل أنثى لكل ذكر، أو أن تتحول كل امرأة في مجتمعه إلى أنثى من إناث الدولة، وكل رجل من رجال مجتمعه إلى فحل من فحول الدولة، فيجمعهم الفراش ثم يذهب كل منهما إلى عمله وإنتاجه؛ فلا يجوز - في نظرهم - أن يختص أحد بالمرأة؛ لأنهم يرون أن الزواج قيد لحريتها.
وبذلك تكون المرأة كلأً مباحاً للأعين والأيدي، وتتحول البشرية إلى حياة الغاب والقطيع.
ولقد لجأ الشيوعيون في سبيل إفساد المرأة إلى أساليب ماكرة؛ حيث ألقوا في روعها أنها إذا تحررت من تبعيتها الاقتصادية للرجل فستكون حرة طليقة، كما أفهموها أن الدين شيء صنعه الرجل؛ لتظل المرأة تحت سلطانه؛ فإذا خلعت ربقة الدين، وتحررت من قيود الأخلاق - فستنعم بالحرية، والحياة السعيدة.
فما الذي حصل؟ لقد تحقق لهم ما يريدون.
ولكن هل تحققت السعادة للمرأة؟ وهل كانت النتائج في صالحها وصالح المجتمع؟
الجواب: لا؛ فلقد لاحظوا نذر الكارثة؛ إذ انتشرت الأمراض، وكثر الإجهاض، وبدأ الشعب الروسي يتناقص؛ فَحَرَّموا الإجهاض، فأخفقوا؛ لأن الشباب اعتاد الزنا والفواحش فأباحوا الإجهاض، ووزعوا حبوب منع الحمل مجاناً، وكافأوا الأم براتب عن كل مولود بِغَضِّ النظر عن شرعيته من عدمها.
كما اضطربوا في الطلاق؛ حيث أباحوه، ثم حرموه، ثم حدَّدوه، وهكذا أصبحت المرأة ميداناً لتجاربهم وتخبُّطهم.
٩ - تخبط نظام الأسرة: فمن أهداف نظام الشيوعية القضاء على نظام الأسرة؛ فالكيان الأسري الذي يربط أفراد الأسرة بروابط لها قوتها وقدسيتها - يتعارض في نظر الماركسية - مع الرابطة المقدسة الكبرى - الأم - التي هي الدولة.
فهي تطلب من الفرد أن يفنى في الأمة فناء تاماً يتلاشى فيه كل انتماء لدين، أو رحم، أو وطن، ويحل محل ذلك الانتماء للدولة بنظمها الماركسية.
ومن هنا قَوَّضت الشيوعية كل التقاليد والشرائع المُرَغِّبة في الزواج حتى أصبح الأمر فوضى لا حد لها.
وتهدف من وراء ذلك أن ينشأ الأطفال نشأة ماركسية تقوم فيها الدولة بدور الحضانة والتربية والتعليم دونما حاجة ماسة إلى أبوة، أو أمومة، أو بُنُوَّة؛ فالرجال رجال الدولة والنساء نساؤها، والأطفال الذين هم ثمرة هذه العلاقات الجنسية - المشروعة أو غير المشروعة - هم أبناء الدولة - ومعلوم أن الفرد في النظام الشيوعي ليس ملكاً لنفسه، ولكنه ملك للدولة؛ ولهذا فهم لا يحبذون الترابط الأسري؛ لأجل أن يكون الولاء خالصاً للدولة.
ثانياً: الآثار المترتبة على الإلحاد:
لقد اعتنقت الشيوعية الإلحاد، وقام عليه أكبر الدول في الشرق وهي روسيا، حيث حملت في بنودها رفض الغيب، والنظر إلى الحياة كلها من منظور مادي بحت.
ولقد أصبح الإلحاد ظاهرة عالمية؛ فالعالم الغربي في أوروبا وأمريكا - وإن كان وارثاً في الظاهر للعقيدة النصرانية - إلا أنه ترك هذه العقيدة تقريباً، وأصبح إيمان الناس هناك بالحياة الدنيا، وأصبحت الكنيسة مجرد تراث تافه، وأصبح الإلحاد هو الدين الرسمي المنصوص عليه في دساتير البلدان الأوروبية والأمريكية، ويعبر عن ذلك بالعلمانية تارة، وباللادينية تارة أخرى.