وَمَوْت الْأَنْبِيَاء وَفرْعَوْن وإبليس وكل ذَلِك مَخْلُوق وَإِن قَالُوا أَن الله تَعَالَى خَالق كل ذَلِك وَلَكِن لَا يُضَاف شئ مِنْهُ إِلَى الله عز وَجل على الْوَجْه المذموم وَلَكِن على الْوَجْه الْمَحْمُود قُلْنَا هَذَا قَوْلنَا فِيمَا سألتمونا عَنهُ وَلَا فرق فَإِن قَالُوا أَتَرْضَوْنَ بِأَفْعَال الله عز وَجل وقضائه قُلْنَا نعم بِمَعْنى أننا مُسلمُونَ لفعله وقضائه وَمن الرضى بِفِعْلِهِ وقضائه أَن نكره مَا كره إِلَيْنَا قَالَ تَعَالَى {وَكره إِلَيْكُم الْكفْر والفسوق والعصيان} ثمَّ نسألهم عَن هَذَا بِعَيْنِه فَنَقُول لَهُم أَتَرْضَوْنَ بِفعل الله تَعَالَى وقضائه فَإِن قَالُوا نعم لَزِمَهُم الرضى بقتل من قتل من الْأَنْبِيَاء وَالْخُمُور والأنصاب والأزلام وبإبليس ويلزمهم أَن يرضى مِنْهُم بالخلود فِي النَّار من خلد فِيهَا وَفِي هَذَا مَا فِيهِ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَسَأَلَ بعض أَصْحَابنَا بعض العتزلة فَقَالَ إِذا كَانَ عنْدكُمْ إِنَّمَا خلق الله تَعَالَى الْكفَّار وَهُوَ يعلم انهم لَا يُؤمنُونَ وَأَنه سيعذبهم بَين أطباق النيرَان أبدا ليعط بهم الْمَلَائِكَة وحور الْعين فقد كَانَ يَكْفِي من ذَلِك خلق وَاحِد مِنْهُم فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَزلَة ان الْمُؤمنِينَ الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة وَالْمَلَائِكَة وحور الْعين وَجَمِيع من لاعذاب عَلَيْهِ وَمن الْأَطْفَال أَكثر من الْكفَّار بِكَثِير جدا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلم يخرج بِهَذَا الْمَوْت مِمَّا ألزمهُ السَّائِل لِأَن الموعظة كَانَت تتمّ بِخلق وَاحِد هَذَا لَو كَانَ يخلق من يعذب ليوعظ بِهِ آخر وَجه فِي الْحِكْمَة بَيْننَا وَأَيْضًا فلولا ذكره الْمَلَائِكَة لَكَانَ كَاذِبًا فِي ظَنّه إِن عدد الداخلين فِي الْجنَّة من النَّاس أَكثر من الداخلين النَّار لِأَن الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك لِأَن الله عز وَجل يَقُول {فَأبى أَكثر النَّاس إِلَّا كفورا} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَكثر النَّاس وَلَو حرصت بمؤمنين} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِن تُطِع أَكثر من فِي الأَرْض يضلوك عَن سَبِيل الله} وَقَالَ تَعَالَى {إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَقَلِيل مَا هم} فليت شعري فِي أَي حِكْمَة وجدوا فِيمَا بَينهم أَو بَيْننَا أَو فِي أَي عدل خلق من يكون أَكْثَرهم مخلدين فِي جَهَنَّم على أصُول هَؤُلَاءِ الْجُهَّال وَأما نَحن فَإِنَّهُ لَو عذب أهل السَّمَوَات كلهم وَجَمِيع من عمر الأَرْض لَكَانَ عدلا مِنْهُ وَحقا مِنْهُ وَحِكْمَة مِنْهُ وَلَو لم يخلق النَّار وَأدْخل كل من خلق الْجنَّة لَكَانَ حَقًا مِنْهُ وعدلاً وَحِكْمَة مِنْهُ لَا عدل وَلَا حِكْمَة وَلَا حق إِلَّا مَا فعل وَمَا أَمر بِهِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ولجأ قوم مِنْهُم إِلَى أَن قَالُوا إِن الله تَعَالَى لم يعلم من يكفر وَمن يُؤمن وأقروا أَنه لَو علم من يَمُوت كَافِرًا لَكَانَ خلقه لَهُ جوراً وظلماً
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَؤُلَاء أَيْضا مَعَ عَظِيم مَا أَتَوا بِهِ من الْكفْر فِي تجهيل رَبهم تَعَالَى فَلم يتخلصوا مِمَّا ألزمهم أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْحِكْمَة خلق من لَا يدْرِي أيموت كَافِر أفيعذبه أم لَا وَهَذَا هُوَ التَّغْرِير بِمن خلق وتعريضهم للهلكة على جَهله وَهَذَا لَيْسَ من الْحِكْمَة وَلَا من الْعدْل فِيمَا بَيْننَا لمن يُمكنهُ أَن لَا يغرر وَقد كَانَ الْبَارِي تَعَالَى قَادِرًا على أَن لَا يخلق كَمَا قد كَانَ لم يزل لَا يخلق ثمَّ خلق إِلَّا أَن يلجأ إِلَى أَنه تَعَالَى لَا يقدر على أَن لَا يخلق فيجعلوه مُضْطَرّا ذَا طبيعة غالبة وَهَذَا كفر مُجَرّد مَحْض ونعوذ بِاللَّه من الخذلان
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَإِذا قَرَأت الْمُعْتَزلَة أَن أَطْفَال بني آدم كلهم أَوْلَاد الْمُشْركين وَأَوْلَاد الْمُسلمين فِي الْجنَّة دون عَذَاب وَلَا تَقْرِير تَكْلِيف فقد نسوا قَوْلهم الْفَاسِد أَن الْعقل أفضل من عَدمه بل مَا نرى السَّلامَة على قَوْلهم وضمانها والحصول على النَّعيم الدَّائِم فِي الْآخِرَة بِلَا تَقْرِير إِلَّا فِي عدم الْعقل فَكيف فارقوا هَذَا الِاسْتِدْلَال وَأما نَحن فَنَقُول