{قَالَت الْأَعْرَاب آمنا قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا وَلما يدْخل الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم وَإِذا تليت عَلَيْهِم آيَاته زادتهم إِيمَانًا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا}
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَإِن قَالُوا إِنَّمَا هَذِه الْآيَة بِمَعْنى أَن هَذِه الْأَفْعَال تدل على أَن فِي الْقلب إِيمَانًا قُلْنَا لَهُم لَو كَانَ مَا قُلْتُمْ لوَجَبَ وَلَا بُد أَن يكون ترك من ترك شَيْئا من هَذِه الْأَفْعَال دَلِيلا على أَنه لَيْسَ فِي قلبه إِيمَان وَأَنْتُم لَا تَقولُونَ هَذَا أصلا مَعَ أَن هَذَا صرف لِلْآيَةِ عَن وَجههَا وَهَذَا لَا يجوز إِلَّا ببرهان وَقَوْلهمْ هَذَا دَعْوَى بِلَا برهَان وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله ثمَّ لم يرتابوا وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ هم الصادقون} وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَلم يهاجروا مَا لكم من ولايتهم من شَيْء حَتَّى يهاجروا} فَأثْبت عز وَجل لَهُم الْإِيمَان الَّذِي هُوَ التَّصْدِيق ثمَّ أسقط عَنَّا ولايتهم إِذْ لم يهاجروا فَأبْطل إِيمَانهم الْمُطلق ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَالَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله وَالَّذين آووا ونصروا أُولَئِكَ هم الْمُؤْمِنُونَ حَقًا} فصح يَقِينا أَن هَذِه الْأَعْمَال إِيمَان حق وَعدمهَا لَيْسَ إِيمَانًا وَهَذَا غَايَة الْبَيَان وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
وَقَالَ تَعَالَى {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد أَنَّك لرَسُول الله وَالله يعلم أَنَّك لرَسُوله وَالله يشْهد أَن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} فنص عز وَجل فِي هَذِه الْآيَة على أَن من آمن بِلِسَانِهِ وَلم يعْتَقد الْإِيمَان بِقَلْبِه فَإِنَّهُ كَافِر ثمَّ أخبرنَا تَعَالَى بِالْمُؤْمِنِينَ من هم وَأَنَّهُمْ الَّذين آمنُوا وأيقنوا بألسنتهم وَقُلُوبهمْ مَعًا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم وَأخْبر تَعَالَى أَن هَؤُلَاءِ هم الصادقون
قَالَ أَبُو مُحَمَّد ويلزمهم أَن الْمُنَافِقين مُؤمنُونَ لإقراهم بِالْإِيمَان بألسنتهم وَهَذَا قَول مخرج عَن الْإِسْلَام وَقد قَالَ تَعَالَى {إِن الله جَامع الْمُنَافِقين والكافرين فِي جَهَنَّم جَمِيعًا} وَقَالَ تَعَالَى {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ قَالُوا نشْهد أَنَّك لرَسُول الله وَالله يعلم أَنَّك لرَسُوله وَالله يشْهد أَن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ اتَّخذُوا إِيمَانهم جنَّة فصدوا عَن سَبِيل الله أَنهم سَاءَ مَا كَانُوا يعْملُونَ ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا ثمَّ كفرُوا فطبع على قُلُوبهم} فَقطع الله تَعَالَى عَلَيْهِم بالْكفْر كَمَا ترى لأَنهم أبطنوا الْكفْر
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وبرهان آخر وَهُوَ أَن الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ دون عقد الْقلب لأحكم لَهُ عِنْد الله عز وَجل لِأَن أَحَدنَا يلفظ بالْكفْر حاكياً وقارئاً لَهُ فِي الْقُرْآن فَلَا يكون بذلك كَافِرًا حَتَّى يقر أَنه عقده
قَالَ أَبُو مُحَمَّد فَإِن احْتج بِهَذَا أهل الْمقَالة الأولى وَقَالُوا هَذَا يشْهد بِأَن الإعلان بالْكفْر لَيْسَ كفرا قُلْنَا لَهُ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق قد قُلْنَا أَن التَّسْمِيَة لَيست لنا وَإِنَّمَا هِيَ لله تَعَالَى فَلَمَّا أمرنَا تَعَالَى بِتِلَاوَة الْقُرْآن وَقد حكى لنا فِيهِ قَول أهل الْكفْر وَأخْبرنَا تَعَالَى أَنه لَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر خرج القاريء لِلْقُرْآنِ بذلك عَن الْكفْر إِلَى رضى الله عز وَجل وَالْإِيمَان بحكايته مَا نَص الله تَعَالَى بأَدَاء الشَّهَادَة بِالْحَقِّ فَقَالَ تَعَالَى {إِلَّا من شهد بِالْحَقِّ وهم يعلمُونَ} خرج الشَّاهِد الْمخبر عَن الْكَافِر بِكُفْرِهِ عَن أَن يكون بذلك كَافِر إِلَى رضى الله عز وَجل وَالْإِيمَان وَلما قَالَ تَعَالَى {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا} أخرج من ثَبت إكراهه عَن أَن يكون بِإِظْهَار الْكفْر كَافِر إِلَى رخصَة الله تَعَالَى والثبات على الْإِيمَان وَبَقِي من أظهر الْكفْر لَا قارياً وَلَا شَاهدا وَلَا حاكياً وَلَا مكْرها على وجوب الْكفْر لَهُ بِإِجْمَاع الْأمة على الحكم لَهُ بِحكم الْكفْر وبحكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك وبنص الْقُرْآن