قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا تمويه من المحتج بِهَذَا الْخَبَر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الحَدِيث لَا نَص وَلَا دَلِيل وَلَا إِشَارَة يُمكن أَن يناول على أَن عجب الذَّنب يحيا وَإِنَّمَا فِي الحَدِيث أَن عجب الذَّنب لَا يَأْكُلهُ التُّرَاب وَأَنه من خلق الْجَسَد وَفِيه يركب فَقَط فَظهر تمويه هَذَا الْقَائِل وَضَعفه وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين قَالَ الباقلاني وَأما أَن يخلق لتِلْك الْحَيَاة جَسَد آخر فَلَا
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا مَذْهَب أَصْحَاب التناسخ بِلَا مؤونة وَاحْتج لذَلِك بِالْحَدِيثِ الْمَأْثُور أَن نسمَة الْمُؤمن طير يعلف من ثمار الْجنَّة ويأوي إِلَى قناديل تَحت الْعَرْش وَفِي بَعْضهَا أَنَّهَا فِي حواصل طير خضر
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَا حجَّة لَهُم فِي هَذَا الْخَبَر لِأَن معنى قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام طَائِر يعلف هُوَ على ظَاهره لَا على ظن أهل الْجَهْل وَإِنَّمَا أخبر عَلَيْهِ السَّلَام أَن نسمَة الْمُؤمن طَائِر بِمَعْنى أَنَّهَا تطير فِي الْجنَّة فَقَط لَا أَنَّهَا تنسخ فِي صور طير فَإِن قيل أَن النَّسمَة مُؤَنّثَة قُلْنَا قد صَحَّ عَن عَرَبِيّ فصيح أَنه قَالَ أتتك كتابي فاستخففت بهَا فَقيل لَهُ أتؤنث الْكتاب فَقَالَ أَو لَيْسَ صحيفَة وَكَذَلِكَ النَّسمَة روح فَتذكر لذَلِك وَأما الزِّيَادَة الَّتِي فِيهَا أَنَّهَا فِي حواصل طير خضر فَإِنَّهَا صفة تِلْكَ الْقَنَادِيل الَّتِي تأوي إِلَيْهَا وَالْحَدِيثَانِ مَعًا حَدِيث وَاحِد وَخبر وَاحِد
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلم يحصل من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ الفاسدين إِلَّا على دَعْوَى كَاذِبَة بِلَا دَلِيل يشبه الْهزْل أَو على كفر مُجَرّد فِي الْمصير إِلَى قَول أَصْحَاب التناسخ وعَلى تَحْرِيف الحَدِيث عَن وَجهه ونعوذ بِاللَّه من الخذلان فَبَطل هَذَانِ الْقَوْلَانِ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَأما قَول من قَالَ أَن النَّفس جَوْهَر لَا جسم من الْأَوَائِل وَمعمر وَأَصْحَابه فَإِنَّهُم موهوا بأَشْيَاء إقناعيات فَوَجَبَ إيرادها ونقضها ليظْهر الْبُرْهَان على وَجه الْإِنْصَاف للخصم وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
قَالَ أَبُو مُحَمَّد قَالُوا لَو كَانَت النَّفس جسماً لَكَانَ بَين تَحْرِيك المحرك رجله وَبَين إِرَادَته تحريكها زمَان على قدر حَرَكَة الْجِسْم وَثقله إِذا النَّفس هِيَ المحركة للجسد والمريدة لحركته قَالُوا فَلَو كَانَ المحرك للرجل جسماً لَكَانَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون حَاصِلا فِي هَذِه الْأَعْضَاء وَإِمَّا جائياً إِلَيْهَا فَإِن كَانَ جائياً إِلَيْهَا احْتَاجَ إِلَى مُدَّة وَلَا بُد وَإِن كَانَ حَاصِلا فِيهَا فَنحْن إِذا قَطعنَا تِلْكَ الْعصبَة الَّتِي بهَا تكون الْحَرَكَة لم يبْق مِنْهَا فِي الْعُضْو الَّذِي كَانَ يَتَحَرَّك شَيْء أصلا فَلَو كَانَ ذَلِك المحرك حَاصِلا فِيهِ لبقي مِنْهُ شَيْء فِي ذَلِك الْعُضْو
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا لَا معنى لَهُ لِأَن النَّفس لَا تَخْلُو من أحد ثَلَاثَة أوجه لَا رَابِع لَهَا إِمَّا أَن تكون مُجَللَة لجَمِيع الْجَسَد من خَارج كَالثَّوْبِ وَإِمَّا أَن تكون متخللة بِجَمِيعِهِ من دَاخل كَالْمَاءِ فِي المدرة وَإِمَّا أَن تكون فِي مَكَان وَاحِد من الْجَسَد وَهُوَ الْقلب أَو الدِّمَاغ وَتَكون قواها مثبتة فِي جَمِيع الْجَسَد فَأَي هَذِه الْوُجُوه كَانَ فتحريكها لما يُرِيد تحريكه من الْجَسَد يكون مَعَ إرادتها لذَلِك بِلَا زمَان كإدراك الْبَصَر لما يلاقي فِي الْبعد بِلَا زمَان وَإِذا قطعت الْعصبَة لم يَنْقَطِع مَا كَانَ من جسم النَّفس مخللاً لذَلِك الْعُضْو إِن كَانَت متخللة لجَمِيع الْجَسَد من دَاخل أَو مُجَللَة لَهُ من خَارج بل يُفَارق الْعُضْو الَّذِي يبطل حسه فِي الْوَقْت وينفصل عَنهُ بِلَا زمَان وَتَكون مفارقتهما لذَلِك الْعُضْو كمفارقة الْهَوَاء للإناء الَّذِي ملئ مَاء وَأما أَن كَانَت النَّفس سَاكِنة فِي مَوضِع وَاحِد من الْجَسَد فَلَا يلْزم على هَذَا الْقسم أَن يسلب من العضود الْمَقْطُوع بل يكون فعلهَا حِينَئِذٍ فِي تحريكها الْأَعْضَاء كَفعل حجر المغنطيس فِي الْحَدِيد وَإِن لم يلصق بِهِ بِلَا زمَان فَبَطل هَذَا الْإِلْزَام الْفَاسِد وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَقَالُوا لَو كَانَت النَّفس جسماً لوَجَبَ أَن نعلم بِبَعْضِهَا أَو بكلها
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَهَذَا سُؤال فَاسد تقسيمه وَالْجَوَاب وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق أَنَّهَا لَا تعلم إِلَّا بكلها أَو بِبَعْضِهَا الْآن كل