قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَكَيف يُنكر أهل الْغَفْلَة أَن يكون قوم يخالفون مَا هم إِلَى الْمعرفَة بهم مضطرون وهم يشاهدون السوفسطائية الَّذين يبطلون الْحَقَائِق جملَة وكما يعْتَقد النَّصَارَى وهم أُمَم لَا يحصي عَددهمْ إِلَّا خالقهم ورازقهم ومضلهم لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَفِيهِمْ عُلَمَاء بعلوم كَثِيرَة وملوك لَهُم التدابير الصائبة والسياسات المعجبة والآراء المحكمة والفطنة فِي دقائق الْأُمُور وبصر بغوامضها وهم مَعَ ذَلِك يَقُولُونَ أَن وَاحِدًا ثَلَاثَة وَثَلَاثَة وَاحِد وَأَن أحد الثَّلَاثَة أَب وَالثَّانِي ابْن وَالثَّالِث روح وَأَن الْأَب هُوَ الابْن وَلَيْسَ هُوَ الابْن وَالْإِنْسَان هُوَ الْإِلَه وَهُوَ غير إِلَه وَابْن الْمَسِيح إِلَه تَامّ وإنسان تَامّ وَهُوَ غَيره وَإِن الأول الَّذِي لم يزل هُوَ الْمُحدث الَّذِي لم يكن وَلَا هُوَ هُوَ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَلَيْسَ فِي الْجُنُون أَكثر من هَذَا واليعقوبية مِنْهُم وهم مئتين أُلُوف يَعْتَقِدُونَ الْبَارِي تَعَالَى عَن كفرهم ضرب بالسياط واللطام وصلب وَنحر وَمَات وَسَقَى الحنظل وَبَقِي الْعَالم ثَلَاثَة أَيَّام بِلَا مُدبر وكأصحاب الْحُلُول وغالية الرافضة الَّذين يَعْتَقِدُونَ فِي رجل جَالس مَعَهم كالحلاج وَابْن أبي الْعِزّ أَنه الله والإله عِنْدهم قد يَبُول ويسلح ويجوع فيأكل ويعطش فيشرب ويمرض فيسوقون إِلَيْهِ الطَّبِيب ويقلع ضرسه إِذا ضرب عَلَيْهِ ويتضر إِذا أَصَابَهُ دمل ويجامع ويحتجم ويفتصد وَهُوَ الله الَّذِي لم يزل وَلَا يزَال خَالق هَذَا الْعَالم كُله ورازقه ومحيصه ومدبره ومدبرا لأفلاك المميت المحيي الْعَالم بِمَا فِي الصُّدُور ويصبر وَفِي جنب هَذَا الِاعْتِقَاد على السجون والمطابق وَضرب السِّيَاط وَقطع الْأَيْدِي والأرجل وَالْقَتْل والصلب وهتك الْحَرِيم وَفِيهِمْ قُضَاة وَكتاب وتجاورهم الْيَوْم الرف وكما يَدعِي طوائف الْيَهُود وَطَوَائِف من الْمُسلمين أَن رَبهم تَعَالَى جَسَد فِي صُورَة الْإِنْسَان لحم وَدم يمشي وَيقْعد كالأشعرية الَّذين يَقُولُونَ إِن هَا هُنَا أحوالاً لَا مخلوقة وَلَا غير مخلوقة وَلَا مَعْلُومَة وَلَا مَجْهُولَة وَلَا حق وَلَا بَاطِل وَأَن النَّار لَيست حارة والثلج لَيْسَ بَارِد وكما يَقُول بعض الْفُقَهَاء وَأَتْبَاعه أَن رجلا وَاحِدًا يكون ابْن رجلَيْنِ وَابْن امْرَأتَيْنِ كل وَاحِد مِنْهُمَا أمه وَهُوَ ابْنهَا بِالْولادَةِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد أَتَرَى كل من ذكرنَا لَا تشهد نَفسه وحسه وَلَا يقر عقله بِأَن كل هَذَا ابطل بلَى وَالَّذِي خلقهمْ وَلَكِن الْعَوَارِض الَّتِي ذكرنَا قبل سهلت عَلَيْهِم هَذَا الِاخْتِلَاط وكرهت عَلَيْهِم الرُّجُوع إِلَى الْحق والإذعان لَهُ
قَالَ أَبُو مُحَمَّد وَأما العناد فقد شَاهَدْنَاهُ من كل مَا رَأَيْنَاهُ فِي المناظرة فِي الدّين وَفِي الْمُعَامَلَات فِي الدُّنْيَا أَكثر من أَن يحصي مِمَّن يعلم الْحق يَقِينا ويكابر على خِلَافه ونعوذ بِاللَّه من الخذلان ونسأله الْهدى والعصمة
قَالَ أَبُو مُحَمَّد لَا يدْرك الْحق من طَرِيق الْبُرْهَان إِلَّا من صفى عقله وَنَفسه من الشواغل الَّتِي قدمنَا وَنظر من الْأَقْوَال كلهَا نظرا وَاحِدًا واستوت عِنْده جَمِيع الْأَقْوَال ثمَّ نظر فِيهَا طَالبا لما شهِدت الْبَرَاهِين الراجعة رُجُوعا صَحِيحا غَيره مموه ضَرُورِيًّا إِلَى مُقَدمَات مَأْخُوذَة من أوايل الْعقل والحواس غير مسامح فِي شَيْء من ذَلِك فَهَذَا مَضْمُون لَهُ بعون الله عز وَجل الْوُقُوف على الْحَقَائِق والخلاص من ظلمَة الْجَهْل وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
وَأما نَقله اثْنَان فَصَاعِدا نوقن أَنَّهُمَا لم يجتمعا وَلَا تساررا فَأخْبر بِخَبَر وَاحِد رَاجع إِلَى مَا أدْركهُ بالحواس من أَي شَيْء كَانَ فَهُوَ حق بِلَا شكّ مَقْطُوع على حيته وَالنَّفس مضطرة إِلَى تَصْدِيقه وَهَذَا قَول أحد الكافة وأولها إِذْ لَا يُمكن الْبَتَّةَ إِنْفَاق اثْنَيْنِ فِي وليد حَدِيث وَاحِد لَا يَخْتَلِفَانِ فِيهِ عَن غير تواطؤ وَأما إِذا تواطأت الْجَمَاعَة الْعَظِيمَة فقد تَجْتَمِع على الْكَذِب وَقد شاهدنا جماعات يشكرون ولاتهم وهم كاذبون إِلَّا أَن هَذَا لَا يُمكن أَن ينفقوا على ظَنّه أبدا وَمن أنكر مَا تنقله الكافة لزمَه أَن لَا يصدق أَنه كَانَ فِي الدُّنْيَا أحد قبله لِأَنَّهُ لَا يعرف كَون النَّاس إِلَّا بالْخبر