. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
الدَّارَقُطْنِيّ: كُوفِيّ ثِقَة يُحْتَجّ بِهِ. وَقَدْ ضَعَّفَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيث بِعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ مَحْمُودٍ الْمَذْكُور، وَقَالَ: لَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجّ بِحَدِيثِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ رَادًّا عَلَيْهِ: وَلَا أَدْرِي مَنْ أَنْبَأَهُ بِهَذَا، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الضُّعَفَاء ذَكَره فِيهِمْ، وَنِهَايَة مَا يُوجَد فِيهِ مِمَّا يُوهِم ضَعْفَ قَوْل أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ: هُوَ شَيْخ، وَهَذَا لَيْسَ بِتَضْعِيفٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَار بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْلَام أَهْل الْعِلْم، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْخ وَقَعَتْ لَهُ رِوَايَات أُخِذَتْ عَنْهُ. وَقَدْ ذَكَره أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيّ فَقَالَ: هُوَ ثِقَة، عَلَى شُحّه بِهَذِهِ اللَّفْظَة اهـ. وَأَمَّا حَدِيث مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ فَفِي إسْنَاده هَارُونَ بْنُ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مَجْهُول كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ. وَيَشْهَد لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيث أَنَسٍ بِلَفْظِ: «كُنَّا نُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي وَنُطْرَد عَنْهَا، وَقَالَ: لَا تُصَلُّوا بَيْن الْأَسَاطِينِ وَأَتِمُّوا الصُّفُوفَ» . وَأَمَّا صَلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَة بَيْن السَّارِيَتَيْنِ فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْبَاب يَدُلَّانِ عَلَى كَرَاهَة الصَّلَاة بَيْن السَّوَارِي
وَظَاهِر حَدِيث مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ وَحَدِيث أَنَسٍ الَّذِي ذَكَره الْحَاكِم أَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّم. وَالْعِلَّة فِي الْكَرَاهَة مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إمَّا لِانْقِطَاعِ الصَّفّ. أَوْ لِأَنَّهُ مَوْضِع جَمْع النِّعَال. قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ وَالْأَوَّل أَشْبَه لِأَنَّ الثَّانِي مُحْدَث. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رُوِيَ أَنَّ سَبَب كَرَاهَة ذَلِكَ أَنَّهُ مُصَلَّى الْجِنّ الْمُؤْمِنِينَ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى كَرَاهَة الصَّلَاة بَيْن السَّوَارِي بَعْض أَهْل الْعِلْم
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَقَدْ كَرِهَ قَوْم مِنْ أَهْل الْعِلْم أَنْ يُصَفّ بَيْن السَّوَارِي، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَدْ رَخَّصَ قَوْم مِنْ أَهْل الْعِلْم فِي ذَلِكَ انْتَهَى. وَبِالْكَرَاهَةِ قَالَ النَّخَعِيّ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنه النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ. قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ: وَلَا يُعْرَف لَهُمْ مُخَالِف فِي الصَّحَابَة
وَرَخَّصَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ قِيَاسًا عَلَى الْإِمَام وَالْمُنْفَرِد. قَالُوا: وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي الْكَعْبَة بَيْن سَارِيَتَيْنِ» . قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ
وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَسُوَيْدِ بْنُ غَفَلَةَ يَؤُمُّونَ قَوْمهمْ بَيْن الْأَسَاطِين وَهُوَ قَوْل الْكُوفِيِّينَ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَلَا خِلَاف فِي جَوَازه عِنْد الضِّيق، وَأَمَّا عِنْد السَّعَة فَهُوَ مَكْرُوه لِلْجَمَاعَةِ، فَأَمَّا الْوَاحِد فَلَا بَأْس بِهِ، وَقَدْ صَلَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَة بَيْن سَوَارِيهَا انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ حَدِيث أَنَسٍ الْمَذْكُور فِي الْبَاب إنَّمَا وَرَدَ فِي حَالَ الضِّيق لِقَوْلِهِ " فَاضْطَرَّنَا النَّاس "، وَيُمْكِن أَنْ يُقَال: إنَّ الضَّرُورَة الْمُشَار إلَيْهَا فِي الْحَدِيث لَمْ تَبْلُغ قَدْر الضَّرُورَة الَّتِي يَرْتَفِع الْحَرَج مَعَهَا
وَحَدِيث قُرَّةَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا ذِكْر النَّهْي عَنْ الصَّفّ بَيْن السَّوَارِي، وَلَمْ يَقُلْ: كُنَّا نُنْهَى عَنْ الصَّلَاة بَيْن السَّوَارِي. فَفِيهِ دَلِيل عَلَى التَّفْرِقَة بَيْن الْجَمَاعَة وَالْمُنْفَرِد، وَلَكِنَّ حَدِيث أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَاكِم فِيهِ النَّهْي عَنْ مُطْلَق الصَّلَاة،