١١٥٩ - (وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ مِنْ غَيْرِ قَصْرٍ، عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ) .
ــ
نيل الأوطار
يَقْصُرُونَ ثُمَّ تُتِمُّ هِيَ وَحْدَهَا بِلَا مُوجِبٍ، كَيْفَ وَهِيَ الْقَائِلَةُ: «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، فَزِيدَتْ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ» فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَا أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى فَرْضِ اللَّهِ وَتُخَالِفُ رَسُولَ اللَّهِ وَأَصْحَابَهُ؟ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لِهِشَامٍ لَمَّا حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا بِذَلِكَ: فَمَا شَأْنُهَا كَانَتْ تُتِمُّ الصَّلَاةَ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ، فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَسَّنَ فِعْلَهَا فَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ فَمَا لِلتَّأْوِيلِ حِينَئِذٍ وَجْهٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُضَافَ إتْمَامُهَا إلَى التَّأْوِيلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. وَقَدْ أَخْبَرَ ابْنُ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ» ، أَفَيُظَنُّ بِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مُخَالَفَتُهُمْ وَهِيَ تَرَاهُمْ يَقْصُرُونَ؟ وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا أَتَمَّتْ كَمَا أَتَمَّ عُثْمَانُ، وَكِلَاهُمَا تَأَوَّلَ تَأْوِيلًا، وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِمْ لَا فِي تَأْوِيلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لَهُ اهـ.
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي صَحَّحَ إسْنَادَهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَقَدْ اسْتَنْكَرَهُ أَحْمَدُ وَصِحَّتُهُ بَعِيدَةٌ فَإِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تُتِمُّ. وَذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّهَا تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِوَايَةٌ لَمْ يَقُلْ عُرْوَةُ عَنْهَا: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ
قَالَ فِي الْهَدْيِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: وَسَمِعْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ يَقُولُ: هُوَ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ: كَانَ يَقْصُرُ وَتُتِمُّ. الْأَوَّلُ بِالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ، وَالثَّانِي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ، وَكَذَلِكَ يُفْطِرُ وَتَصُومُ، قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا بَاطِلٌ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ الْكَلَامِ السَّابِقِ مِنْ اسْتِبْعَادِ مُخَالَفَةِ عَائِشَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ، وَكَذَا لَفْظُ الْحَافِظِ فِي التَّلْخِيصِ لَفْظُ تُتِمُّ وَتَصُومُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ.
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثَيْ الْبَابِ الْقَائِلُونَ: بِأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ. وَيُجَابُ عَنْهُمْ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ لَا حُجَّةَ فِيهِ لَهُمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ لَفْظَ: تُتِمُّ وَتَصُومُ بِالْفَوْقَانِيَّةِ، لِأَنَّ فِعْلَهَا - عَلَى فَرْضِ عَدَمِ مُعَارَضَتِهِ لِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا حُجَّةَ فِيهِ، فَكَيْفَ إذَا كَانَ مُعَارِضًا لِلثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِهَا وَطَرِيقِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ حُجَّةً لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجَوَابِ عَنْهَا: أَحْسَنْتِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَنْتَهِضُ لِمُعَارَضَةِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا بَعَدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ حَسَنٌ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فَكَيْفَ وَقَدْ طُعِنَ فِيهِ بِتِلْكَ الْمَطَاعِنِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهَا بِمُجَرَّدِهَا تُوجِبُ سُقُوطَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ.