جِئْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ النَّاسُ فِي مَنَازِلهمْ، وَلَمْ يَحُلُّوا حَتَّى أَقَامَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ فَصَلَّى ثُمَّ حَلُّوا. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ.
وَفِي لَفْظ: «أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ، ثُمَّ حَلُّوا رِحَالَهُمْ وَأَعَنْتُهُ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَهُوَ حُجَّة فِي جَوَاز التَّفْرِيق بَيْنَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ فِي وَقْت الثَّانِيَة) .
ــ
نيل الأوطار
بَابُ الْجَمْع بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ مِنْ غَيْر تَطَوُّع بَيْنَهُمَا
قَوْلُهُ: (صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ) فِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ «جَمَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ» وَفِي رِوَايَة لَهُ «جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» قَوْلُهُ: (بِإِقَامَةٍ) لَمْ يَذْكُر الْأَذَان وَهُوَ ثَابِت فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُور بَعْده. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ «فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ» الْحَدِيثَ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا) أَيْ لَمْ يَتَنَفَّلْ بَيْن صَلَاة الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَلَا عَقِب كُلّ وَاحِدَة مِنْهُمَا.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ تَرَكَ النَّفَل عَقِبَ الْمَغْرِبِ وَعَقِبَ الْعِشَاءِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاءِ مُهْلَة صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّل بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الْعِشَاء فَإِنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون الْمُرَاد أَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّل عَقِبهَا، لَكِنَّهُ تَنَفَّلَ بَعَدَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْل. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْفُقَهَاءُ: تُؤَخَّر سُنَّة الْعِشَاءَيْنِ عَنْهُمَا.
وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَرْك التَّطَوُّع بَيْن الصَّلَاتَيْنِ بِالْمُزْدَلِفَةِ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ السُّنَّة الْجَمْع بَيْن الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَمَنْ تَنَفَّلَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَصِحّ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا. وَيُعَكِّر عَلَى نَقْل الِاتِّفَاق مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا بِعِشَائِهِ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَمَرَ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ» . وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْم فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي مُطْلَقِ السَّفَرِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاء عَلَى اسْتِحْبَابِ النَّوَافِل الْمُطْلَقَة فِي السَّفَر. وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَاب النَّوَافِل الرَّاتِبَة، فَتَرَكَهَا ابْنُ عُمَرَ وَآخَرُونَ، وَاسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابه وَالْجُمْهُور. وَدَلِيلهمْ الْأَحَادِيث الْعَامَّة الْوَارِدَة فِي نَدْبِ مُطْلَق الرَّوَاتِبِ، وَحَدِيثُ صَلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضُّحَى فِي يَوْم الْفَتْحِ وَرَكْعَتَيْ الصُّبْح حِين نَامُوا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْس، وَأَحَادِيثُ أُخَر صَحِيحَة ذَكَرَهَا أَصْحَابُ السُّنَن، وَالْقِيَاس عَلَى النَّوَافِل الْمُطْلَقَة.
وَأَمَّا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «صَحِبْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَر» وَفِي رِوَايَة «صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَر عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ» فَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي الرَّوَاتِبُ فِي رَحْله وَلَا يَرَاهُ ابْنُ عُمَرَ، فَإِنَّ النَّافِلَة فِي الْبَيْتِ أَفْضَل، وَلَعَلَّهُ تَرَكَهَا فِي بَعْض الْأَوْقَات تَنْبِيهًا عَلَى جَوَاز تَرْكهَا.
وَأَمَّا مَا يَحْتَجّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِتَرْكِهَا مِنْ أَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ لَكَانَ إتْمَام الْفَرِيضَة أَوْلَى. فَجَوَابه أَنَّ الْفَرِيضَة مُتَحَتِّمَة، فَلَوْ شُرِعَتْ تَامَّة لَتَحَتَّمَ إتْمَامُهَا. وَأَمَّا النَّافِلَة فَهِيَ إلَى خِيرَة الْمُكَلَّف، فَالرِّفْق بِهِ أَنْ تَكُون