. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
قَامَ فَاسْتَقْبَلَ فَجَّ أَسْلَمَ، فَدَعَا ثُمَّ انْصَرَفَ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَ الْإِمَامُ مِثْلَ هَذَا، وَأَنْ يَقِفَ فِي مَوْضِعٍ فَيَدْعُو اللَّهَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَفِي إسْنَادِ الْحَدِيثِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى، وَثَّقَهُ الشَّافِعِيُّ وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ. وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الذَّهَابِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ وَالرُّجُوعِ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي مُخَالَفَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الطَّرِيقَ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ يَوْمَ الْعِيدِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ. قَالَ الْحَافِظُ: اجْتَمَعَ لِي مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ قَوْلًا. قَالَ: قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ: ذُكِرَ فِي ذَلِكَ فَوَائِدُ بَعْضُهَا قَرِيبٌ وَأَكْثَرُهَا دَعَاوَى فَارِغَةٌ اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ، وَقِيلَ: سُكَّانُهُمَا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ.
وَقِيلَ: لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي مَزِيَّةِ الْفَضْلِ بِمُرُورِهِ، أَوْ فِي التَّبَرُّك بِهِ، أَوْ لِتُشَمَّ رَائِحَةُ الْمِسْكِ مِنْ الطَّرِيقِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ. وَقِيلَ: لِأَنَّ طَرِيقَهُ إلَى الْمُصَلَّى كَانَتْ عَلَى الْيَمِينِ، فَلَوْ رَجَعَ مِنْهَا لَرَجَعَ إلَى جِهَةِ الشِّمَالِ فَرَجَعَ مِنْ غَيْرِهَا، وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ. وَقِيلَ: لِإِظْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِمَا. وَقِيلَ: لِإِظْهَارِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودَ.
وَقِيلَ: لِيُرْهِبَهُمْ بِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ بَطَّالٍ. وَقِيلَ: حَذَرًا مِنْ كَيْدِ الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُكَرِّرْهُ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَتُعُقِّبَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُوَاظَبَتِهِ عَلَى مُخَالَفَةِ الطَّرِيقِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى طَرِيقٍ مِنْهَا مُعَيَّنٍ، لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ مُرْسَلًا: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْدُو يَوْمَ الْعِيدِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَيَرْجِعُ مِنْ الطَّرِيقِ الْآخَرِ» وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ لَقَوِيَ بَحْثُ ابْنِ التِّينِ.
وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِيَعُمَّهُمْ بِالسُّرُورِ بِهِ وَالتَّبَرُّكِ بِمُرُورِهِ وَرُؤْيَتِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ فِي الِاسْتِفْتَاءِ أَوْ التَّعْلِيمِ أَوْ الِاقْتِدَاءِ أَوْ الِاسْتِرْشَادِ أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَقِيلَ: لِيَزُورَ أَقَارِبَهُ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتِ. وَقِيلَ: لِيَصِلَ رَحِمَهُ. وَقِيلَ: لِلتَّفَاؤُلِ بِتَغْيِيرِ الْحَالِ إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا.
وَقِيلَ: كَانَ فِي ذَهَابِهِ يَتَصَدَّقُ، فَإِذَا رَجَعَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ شَيْءٌ فَرَجَعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ لِئَلَّا يَرُدَّ مَنْ سَأَلَهُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا مَعَ احْتِيَاجِهِ إلَى الدَّلِيلِ. وَقِيلَ: فَعَلَ ذَلِكَ لِتَخْفِيفِ الزِّحَامِ، وَهَذَا رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَيَّدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ فِيهِ: " لِيَسَعَ النَّاسَ " وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: " يَسَعَ النَّاسَ " يُحْتَمَلُ أَنْ يُفَسَّرَ بِبَرَكَتِهِ وَفَضْلِهِ، وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ التِّينِ.
وَقِيلَ: كَانَ طَرِيقُهُ الَّتِي يَتَوَجَّهُ مِنْهَا أَبْعَدَ مِنْ الَّتِي يَرْجِعُ فِيهَا، فَأَرَادَ تَكْثِيرَ الْأَجْرِ بِتَكْثِيرِ الْخُطَا فِي الذَّهَابِ. وَأَمَّا فِي الرُّجُوعِ فَلِيُسْرِعْ إلَى مَنْزِلِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الرَّافِعِيُّ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ، وَبِأَنَّ أَجْرَ الْخُطَا يُكْتَبُ فِي الرُّجُوعِ أَيْضًا كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ