. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
وَإِنْ فَاتَنَا الْوَقْتُ، فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي لَفْظٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَجَعَ مِنْ الْأَحْزَابِ قَالَ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمْ الْعَصْرَ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي حَتَّى نَأْتِيَهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ مِنَّا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا مِنْهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
قَوْلُهُ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ» فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: الظُّهْرَ. وَقَدْ بَيَّنَ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي مَا هُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ: (فَمَا عَنَّفَ وَاحِدًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ. وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْإِيمَاءِ وَحَالَ الرُّكُوبِ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَوْ وُجِدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِينَ صَلَّوْا فِي الطَّرِيق صَلَّوْا رُكْبَانًا لَكَانَ بَيِّنًا فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَالِاسْتِدْلَالُ يَكُونُ بِالْقِيَاسِ، يَعْنِي أَنَّهُ كَمَا سَاغَ لِأُولَئِكَ أَنْ يُؤَخِّرُوا الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا الْمُفْتَرَضِ كَذَلِكَ يُسَوَّغُ لِلطَّالِبِ تَرْكَ إتْمَامِ الْأَرْكَانِ وَالِانْتِقَالِ إلَى الْإِيمَاءِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَالْأَبْيَنُ عِنْدِي أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الِاسْتِعْجَالَ الْمَأْمُورِ بِهِ يَقْتَضِي تَرْكُ الصَّلَاةِ أَصْلًا كَمَا جَرَى لِبَعْضِهِمْ، أَوْ الصَّلَاةَ عَلَى الدَّوَابِّ كَمَا وَقَعَ لِآخَرِينَ؛ لِأَنَّ النُّزُولَ يُنَافِي مَقْصُودُ الْجَدِّ فِي الْوُصُولِ، فَالْأَوَّلُونَ بَنَوْا عَلَى أَنَّ النُّزُولَ مَعْصِيَةٌ بِمُعَارَضَتِهِ لِلْأَمْرِ الْخَاصِّ بِالْإِسْرَاعِ وَكَانَ تَأْخِيرُهُمْ لَهَا لَوُجُودِ الْمُعَارِضِ، وَالْآخَرُونَ جَمَعُوا بَيْنَ دَلِيلَيْ وُجُوبِ الْإِسْرَاعِ وَوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا فَصَلَّوْا رُكْبَانًا، فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُمْ نَزَلُوا لَكَانَ ذَلِكَ مُضَادَّةً لِلْأَمْرِ بِالْإِسْرَاعِ وَهُوَ لَا يُظَنُّ بِهِمْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ.
وَهَذَا الَّذِي حَاوَلَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ بَطَّالٍ بِقَوْلِهِ: لَوْ وُجِدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ إلَى آخِرِهِ، فَلَمْ يُسْتَحْسَنْ الْجَزْمُ فِي النَّقْلِ بِالِاحْتِمَالِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يَظُنُّ بِهِمْ الْمُخَالِفَةَ فَمُعْتَرِضٌ بِمِثْلِهِ بِأَنْ يُقَالَ: لَا يُظَنُّ بِهِمْ الْمُحَالَفَةَ بِتَغْيِيرِ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَوْقِيفٍ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَالْأَوْلَى مَا قَالَ ابْنُ الْمُرَابِطِ وَوَافَقَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَنَّ وَجْهَ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى وَصَلُوا إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لَمْ يُعَنَّفُوا مَعَ كَوْنِهِمْ فَوَّتُوا الْوَقْتَ، وَصَلَاةُ مِنْ لَا يُفَوِّتُ الْوَقْتَ بِالْإِيمَاءِ أَوْ كَيْفَمَا يُمْكِنْ أُولَى مِنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا