. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
بَعْضِهِمْ الْإِنْكَارُ فَبَيَّنَ لَهُمْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: (إنَّ اللَّهَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبُكَاءِ وَالْحُزْنِ اللَّذَيْنِ لَا قُدْرَةَ لِلْمُصَابِ عَلَى دَفْعِهِمَا قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ يُعَذَّبُ بِهَذَا) أَيْ إنْ قَالَ سُوءًا أَوْ يُرْحَمُ إنْ قَالَ خَيْرًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ (أَوْ يُرْحَمُ) : أَيْ إنْ لَمْ يَنْفُذْ الْوَعِيدُ قَوْلُهُ: (إحْدَى بَنَاتِهِ) هِيَ زَيْنَبُ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ
قَوْلُهُ: (أَنَّ صَبِيًّا لَهَا) قِيلَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَهُوَ مِنْ زَيْنَبَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ بَكَّارَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ ذَكَرُوا أَنَّ عَلِيًّا الْمَذْكُورَ عَاشَ حَتَّى نَاهَزَ الْحُلُمَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَهَذَا لَا يُقَالُ فِي حَقِّهِ صَبِيًّا عُرْفًا وَإِنْ جَازَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَفِي الْأَنْسَابِ لِلْبَلَاذِرِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنْ رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَاتَ وَضَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجْرِهِ وَقَالَ: «إنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ» وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «ثَقُلَ ابْنٌ لِفَاطِمَةَ، فَبَعَثَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ " وَفِيهِ مُرَاجَعَةُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي الْبُكَاءِ، فَعَلَى هَذَا الِابْنُ الْمَذْكُورُ مُحْسِنُ بْنُ عَلِيٍّ.
وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّهُ مَاتَ صَغِيرًا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَذَا أَوْلَى إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ لِصَبِيٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْمُرْسِلَةَ زَيْنَبُ، لَكِنَّ الصَّوَابَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْمُرْسِلَةَ زَيْنَبُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَأَنَّ الْوَلَدَ صَبِيَّةٌ كَمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ فِي مُعْجَمِهِ
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِلَفْظِ: " إنَّ ابْنَتِي أَوْ ابْنِي " وَفِي رِوَايَةٍ " إنَّ ابْنَتِي قَدْ حَضَرَتْ " قَوْلُهُ: (إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ) قَدَّمَ ذِكْرَ الْأَخْذِ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الْوَاقِعِ مَا يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ هُوَ الَّذِي كَانَ أَعْطَاهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ أَخَذَ مَا هُوَ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي الْجَزَعُ؛ لِأَنَّ مُسْتَوْدَعَ الْأَمَانَةِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْزَعَ إذَا اُسْتُعِيدَتْ مِنْهُ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِعْطَاءِ إعْطَاءَ الْحَيَاةِ لِمَنْ بَقِيَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ ثَوَابَهُمْ عَلَى الْمُصِيبَةِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَ " مَا " فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَصْدَرِيَّةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ قَوْلُهُ: (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ أَوْ مِنْ الْأَنْفُسِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمَلِ الْمَذْكُورَةِ وَيَجُوزُ فِي كُلٍّ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إنَّ فَيَنْسَحِبُ التَّأْكِيدُ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى الْعِنْدِيَّةِ الْعِلْمُ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ، وَالْأَجَلُ يُطْلَقُ عَلَى الْحَدِّ الْأَخِيرِ وَعَلَى مُطْلَقِ الْعُمْرِ
قَوْلُهُ: (مُسَمًّى) أَيْ مَعْلُومٌ أَوْ مُقَدَّرٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلْتَحْتَسِبْ) أَيْ تَنْوِي بِصَبْرِهَا طَلَبَ الثَّوَابِ مِنْ رَبِّهَا قَوْلُهُ: (وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْقَافَيْنِ، وَالْقَعْقَعَةُ: حِكَايَةُ صَوْتِ الشَّنِّ الْيَابِسِ إذَا حُرِّكَ قَوْلُهُ: (كَأَنَّهَا فِي شَنَّةٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ: الْقِرْبَةُ الْخَلِقَةُ الْيَابِسَةُ، شَبَّهَ الْبَدَنَ بِالْجِلْدِ الْيَابِسِ وَحَرَكَةَ الرُّوحِ فِيهِ بِمَا يُطْرَحُ فِي الْجِلْدِ مِنْ حَصَاةٍ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ: (فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)