. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَكَسَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيَّاهُ، فَلِذَلِكَ أَلْبَسَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَمِيصَهُ» هَكَذَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي إلْبَاسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَمِيصَهُ
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْجَنَائِزِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْمَذْكُورَ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَك الَّذِي يَلِي جِلْدَك» وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَعْطِنِي قَمِيصَك أُكَفِّنْهُ فِيهِ» وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ هُوَ الْمَجْمُوعَ: السُّؤَالَ وَالْمُكَافَأَةَ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَكَانُوا نُقِلُوا إلَى الْمَدِينَةِ) فِيهِ جَوَازُ إرْجَاعِ الشَّهِيدِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أُصِيبَ فِيهِ بَعْدَ نَقْلِهِ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا دُفِنُوا فِي الْمَدِينَةِ ثُمَّ أُخْرِجُوا مِنْ الْقُبُورِ وَنُقِلُوا قَوْلُهُ: (فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نَبْشُ الْمَيِّتِ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْحَيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي دَفْنِ مَيِّتٍ آخَرَ مَعَهُ، وَقَدْ بَيَّنَ جَابِرٌ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي " وَلَكِنَّ هَذَا إنْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ أَوْ قَرَّرَهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا حُجَّةَ فِي فِعْلِ الصَّحَابِيِّ، وَالرَّجُلُ الَّذِي دُفِنَ مَعَهُ هُوَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ وَكَانَ صَدِيقَ وَالِدِ جَابِرٍ وَزَوْجَ أُخْتِ هِنْدَ بِنْتِ عَمْرٍو. رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اجْمَعُوا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُمَا كَانَا مُتَصَادِقَيْنِ فِي الدُّنْيَا» قَوْلُهُ: (حَتَّى أَخْرَجْته) فِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: " فَاسْتَخْرَجَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعَتْهُ غَيْرَ هُنَيَّةِ فِي أُذُنِهِ " وَظَاهِرُ هَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَعْنِي وَالِدَ جَابِرٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ كَانَا قَدْ حَفَرَ السَّيْلُ قَبْرَهُمَا وَكَانَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَحُفِرَ عَنْهُمَا فَوُجِدَا لَمْ يَتَغَيَّرَا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بِالْأَمْسِ، وَكَانَ بَيْنَ أُحُدٍ وَبَيْنَ يَوْمِ حُفِرَ عَنْهُمَا سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً
وَقَدْ جَمَعَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَيْنَهُمَا بِتَعَدُّدِ الْقِصَّةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ دَفَنَ أَبَاهُ فِي قَبْرٍ وَحْدَهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَفِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُمَا وُجِدَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ بَعْدَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ قُرْبَ الْمُجَاوَرَةِ، أَوْ أَنَّ السَّيْلَ خَرَقَ أَحَدَ الْقَبْرَيْنِ فَصَارَا كَقَبْرٍ وَاحِدٍ وَقَدْ أَخْرَجَ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّأِ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي وَابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ هُنَيَّةِ: أَيْ شَيْئًا يَسِيرًا وَهِيَ بِنُونٍ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مُصَغَّرًا وَهُوَ تَصْغِيرُ هَنَةٍ قَوْلُهُ: (فَحُمِلَا إلَى الْمَدِينَةِ) فِيهِ جَوَازُ نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ الْمَوْطِنِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ إلَى مَوْطِنٍ آخَرَ يُدْفَنُ فِيهِ، وَالْأَصْلُ الْجَوَازُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِدَلِيلٍ قَوْلُهُ: (فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ. . . إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ نَبْشُ الْمَيِّتِ لِغُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَكِنْ جَعَلَ الدَّفْنَ مُسْقِطًا لِمَا عُلِمَ مِنْ وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَوْ تَكْفِينِهِ أَوْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ
كِتَابُ الزَّكَاةِ ١