. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ " وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا «لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ سَفَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَحُجَّ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا» فَكَيْفَ يَخُصُّ سَفَرَ الْحَجِّ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَسْفَارِ
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ اعْتِبَارَ الْمَحْرَمِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَتْ شَابَّةً لَا فِي حَقِّ الْعَجُوزِ لِأَنَّهَا لَا تُشْتَهَى. وَقِيلَ: لَا فَرْقَ لِأَنَّ لِكُلِّ سَاقِطٍ لَاقِطًا وَهُوَ مُرَاعَاةٌ لِلْأَمْرِ النَّادِرِ. وَقَدْ احْتَجَّ أَيْضًا مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمَحْرَمَ فِي سَفَرِ الْحَجِّ بِمَا فِي الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظٍ «يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنْ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا جِوَارَ مَعَهَا» وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ لَا عَلَى جَوَازِهِ. وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ خَبَرٌ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ وَرَفْعُ مَنَارِ الْإِسْلَامِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَ الْمُتَعَقِّبُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ: (إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) يَعْنِي فَيَحِلُّ لَهَا السَّفَرُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَضَابِطُ الْمَحْرَمِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا، فَخَرَجَ بِالتَّأْبِيدِ زَوْجُ الْأُخْتِ وَالْعَمَّةُ، وَبِالْمُبَاحِ أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتُهَا وَبِحُرْمَتِهَا الْمُلَاعَنَةُ. وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ الْأَبَ الْكَافِرَ فَقَالَ: لَا يَكُونُ مَحْرَمًا لِبِنْتِهِ الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَفْتِنَهَا عَنْ دِينِهَا، وَمُقْتَضَاهُ إلْحَاقُ سَائِرِ الْقَرَابَةِ بِالْأَبِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ
وَرُوِيَ عَنْ الْبَعْضِ أَنَّ الْعَبْدَ كَالْمَحْرَمِ وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «سَفَرُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَبْدِهَا ضَيْعَةٌ» قَالَ الْحَافِظُ: لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ. قَالَ: وَيَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ بِذَلِكَ أَنْ يُقَيِّدَهُ بِمَا إذَا كَانَا فِي قَافِلَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا وَحْدَهُمَا فَلَا لِهَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ: (فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتَكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْمَحْرَمِ أَوْ قَائِمٌ مَقَامَهُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَوْجَبَ عَلَى الزَّوْجِ السَّفَرِ مَعَ امْرَأَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَالْوَلِيِّ فِي الْحَجِّ عَنْ الْمَرِيضِ، فَلَوْ امْتَنَعَ إلَّا بِأُجْرَةٍ لَزِمَتْهَا لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلهَا، فَصَارَ فِي حَقِّهَا كَالْمَئُونَةِ. وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا لِكَوْنِ الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي «امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ وَلَهَا مَالٌ وَلَا يَأْذَنُ لَهَا فِي الْحَجِّ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْطَلِقَ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا» . وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَجِّ التَّطَوُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ. وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ عَنْ الْخُرُوجِ فِي الْأَسْفَارِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ وَاجِبًا. وَقَدْ اسْتَدَلَّ ابْنُ حَزْمٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ السَّفَرُ بِغَيْرِ زَوْجٍ وَلَا مَحْرَمٍ لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَعِبْ عَلَيْهَا ذَلِكَ السَّفَرَ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ زَوْجُهَا. وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا مَا أَمَرَ زَوْجَهَا بِالسَّفَرِ مَعَهَا وَتَرَكَ الْغَزْوَ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ قَوْلُهُ: (إلَّا وَمَعَهَا أَبُوهَا. . . إلَخْ) وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيَانُ بَعْضِ الْمَحَارِمِ
وَقَوْلُهُ: (أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ