١٩٤٧ - (وَعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَافَ مُضْطَبِعًا وَعَلَيْهِ بُرْدٌ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: بِبُرْدٍ لَهُ أَخْضَرَ، وَأَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ طَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ مُضْطَبِعٌ بِبُرْدٍ لَهُ حَضْرَمِيٍّ) .
ــ
نيل الأوطار
وَجَعَلَ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمًى انْتَهَى.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ جَعَلَ رَاجِعٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْجُذَامِيِّ قَالَ: «حِمَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَدِينَةِ بَرِيدًا بَرِيدًا بَرِيدًا» فَهَذَا مِثْلُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَرِيدَ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِمِقْدَارِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ أَنْ يُخْبَطَ أَوْ يُعْضَدَ الْخَبْطُ ضَرْبُ الشَّجَرِ لِيَسْقُطَ وَرَقُهُ وَالْعَضْدُ الْقَطْعُ كَمَا تَقَدَّمَ زَادَ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا مَا يُسَاقُ بِهِ الْجَمَلُ قَوْلُهُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا قَدْ ادَّعَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ التَّحْدِيدُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالْحَرَّتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا بِاللَّابَتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْجَبَلَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا بِعَيْرٍ وَثَوْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِي بَعْضِهَا بِالْمَأْزِمَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهَا وَاضِحٌ، وَبِمِثْلِ هَذَا لَا تُرَدُّ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَإِنَّ الْجَمْعَ لَوْ تَعَذَّرَ أَمْكَنَ التَّرْجِيحُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَرْجَحُ لِتَوَارُدِ الرُّوَاةِ عَلَيْهَا، وَرِوَايَةُ جَبَلَيْهَا لَا تُنَافِيهَا، فَيَكُونُ عِنْدَ كُلِّ لَابَةٍ جَبَلٌ، أَوْ لَابَتَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ، وَجَبَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَتَسْمِيَةُ الْجَبَلَيْنِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا تَضُرُّ، وَالْمَأْزِمُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْجَبَلِ نَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ. قَالَ عِيَاضٌ: الْبَرَكَةُ هُنَا بِمَعْنَى النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَرَكَةُ فِي نَفْسِ الْكَيْلِ مِنْ الْمَدِينَةِ بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُدُّ فِيهَا مَنْ لَا يَكْفِيهِ فِي غَيْرِهَا قَوْلُهُ: مِنْ كَذَا إلَى كَذَا جَاءَ هَكَذَا مُبْهَمًا فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ كُلِّهَا فَقِيلَ: إنَّ الْبُخَارِيَّ أَبْهَمَهُ عَمْدًا لِمَا وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ وَهْمٌ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ إلَى ثَوْرٍ، فَالْمُرَادُ بِهَذَا الْمُبْهَمِ مِنْ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا) أَيْ: عَمِلَ بِخِلَافِ السُّنَّةِ كَمَنْ ابْتَدَعَ بِهَا بِدْعَةً، زَادَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ آوَى مُحْدِثًا قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ. . . إلَخْ أَيْ اللَّعْنَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ مِنْ اللَّهِ عَلَى الْكُفَّارِ، وَأُضِيفَ إلَى اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ وَالْمُرَادُ بِلَعْنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَقِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِاللَّعْنِ هُنَا: الْعَذَابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذَنْبِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ هُوَ كَلَعْنِ الْكَافِرِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ قَوْلُهُ: (مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا) .
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَأْزِمُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَهُوَ الْجَبَلُ وَقِيلَ: الْمَضِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَنَحْوُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ هُنَا وَمَعْنَاهُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا انْتَهَى قَوْلُهُ: أَنْ لَا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ إرَاقَةِ الدِّمَاءِ بِالْمَدِينَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ: (إلَّا لِعَلْفٍ) هُوَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ مَصْدَرُ عَلَفْتُ.
وَأَمَّا الْعَلَفُ بِفَتْحِ اللَّامِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْحَشِيشِ وَالتِّبْنِ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ لِلْعَلْفِ لَا خَبْطِ الْأَغْصَانِ وَقَطْعِهَا فَإِنَّهُ حَرَامٌ قَوْلُهُ: (عِضَاهُهَا) الْعِضَاهُ بِالْقَصْرِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ