. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ
قَوْلُهُ: (فَسَأَلُوهُ) أَيْ: قَالُوا: كَيْفَ حَجُّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ يَوْمَ عَرَفَةَ كَمَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ. قَوْلُهُ: (الْحَجُّ عَرَفَةَ) أَيْ: الْحَجُّ الصَّحِيحُ حَجُّ مَنْ أَدْرَكَ يَوْمَ عَرَفَةَ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: وَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَاتٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ إنْ جَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا.
قَوْلُهُ: (مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ) أَيْ: لَيْلَةَ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي الْوُقُوفُ فِي جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ: وَحَكَى النَّوَوِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْوُقُوفُ لَيْلًا، وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّهُ قَوْلُهُ: (أَيَّامُ مِنَى) مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: (ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ) وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَأَيَّامُ رَمْي الْجِمَارِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّفْرُ يَوْمَ ثَانِي النَّحْرِ، وَلَوْ كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْ الثَّلَاثِ لَجَازَ أَنْ يَنْفِرَ مَنْ شَاءَ فِي ثَانِيهِ
قَوْلُهُ: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ) أَيْ: مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْهَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي تَعْجِيلِهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْ النَّفْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهِ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْ الثَّالِثِ إلَى الرَّابِعِ وَلَمْ يَنْفِرْ مَعَ الْعَامَّةِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ، وَالتَّخْيِيرُ هَهُنَا وَقَعَ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ أَفْضَلُ فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا يَخَافُ الْإِثْمَ الْمُتَعَجِّلَ فَمَا بَالُ الْمُتَأَخِّرِ الَّذِي أَتَى بِالْأَفْضَلِ أُلْحِقَ بِهِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ عَمِلَ بِالرُّخْصَةِ وَتَعَجَّلَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي الْعَمَلِ بِالرُّخْصَةِ.
وَمَنْ تَرَكَ الرُّخْصَةَ وَتَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الرُّخْصَةِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَضْعُ الْإِثْمِ عَنْ الْمُتَعَجِّلِ دُونَ الْمُتَأَخِّرِ، وَلَكِنْ ذُكِرَا مَعًا وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: (يُنَادِي بِهِنَّ) أَيْ: بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ
قَوْلُهُ: نَحَرْتُ هَاهُنَا وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ يَعْنِي: كُلَّ بُقْعَةٍ مِنْهَا يَصِحُّ النَّحْرُ فِيهَا، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْأَفْضَلَ النَّحْرُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي نَحَرَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْحَرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى، كَذَا قَالَ ابْنُ التِّينِ. وَحَدُّ مِنًى مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ إلَى الْعَقَبَةِ قَوْلُهُ: (فِي رِحَالِكُمْ) الْمُرَادُ بِالرِّحَالِ الْمَنَازِلُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: رَحْلُ الرَّجُلِ: مَنْزِلُهُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ
قَوْلُهُ: (وَوَقَفْتُ هَاهُنَا) يَعْنِي: عِنْدَ الصَّخَرَاتِ، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ يَصِحُّ الْوُقُوفُ فِيهَا وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي أَيِّ جُزْءٍ كَانَ مِنْ عَرَفَاتٍ صَحَّ وُقُوفُهُ وَلَهَا أَرْبَعَةُ حُدُودٍ: حَدٍّ إلَى جَادَّةِ طَرِيقِ الْمَشْرِقِ، وَالثَّانِي إلَى حَافَّاتِ الْجَبَلِ الَّذِي وَرَاءِ أَرْضِهَا، وَالثَّالِثِ إلَى الْبَسَاتِينَ الَّتِي تَلِي قَرْنَيْهَا عَلَى يَسَارِ مُسْتَقْبِلِ الْكَعْبَةِ وَالرَّابِعِ وَادِي عُرَنَةَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالنُّونِ وَلَيْسَتْ هِيَ نَمِرَةَ وَلَا مِنْ عَرَفَاتٍ وَلَا مِنْ الْحَرَمِ
قَوْلُهُ: (وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ) جَمْعُ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ: هِيَ الْمُزْدَلِفَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا كُلَّهَا مَوْقِفٌ كَمَا أَنَّ عَرَفَاتٍ كُلَّهَا مَوْقِفٌ قَوْلُهُ: (وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ) الْفِجَاجُ بِكَسْرِ الْفَاءِ: جَمْعُ فَجٍّ، وَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعَةُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا طَرِيقٌ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ