. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
وَقَدْ اخْتَلَفَتْ فِيهَا أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: إنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبَاتِ وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيُّ حَفِيدُ الْمُصَنِّفِ الْمَعْرُوفُ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ، وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالْجُوَيْنِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ كَمَا سَيَأْتِي
احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} النساء: ٦٤ الْآيَةَ، وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ «الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ» وَقَدْ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَلَّفَ فِي ذَلِكَ جُزْءًا قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ: قَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ كَانَ الْمَجِيءُ إلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْمَجِيءِ إلَيْهِ قَبْلَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ وَرَدَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَتْرُكُونَ قُبُورَهُمْ فَوْقَ ثَلَاثٍ.
وَرُوِيَ فَوْقَ أَرْبَعِينَ، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ قَدَحَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ وَيُعَارِضُ الْقَوْلَ بِدَوَامِ حَيَاتِهِمْ فِي قُبُورِهِمْ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُرَدُّ إلَيْهِ رُوحُهُ عِنْدَ التَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، نَعَمْ حَدِيثُ «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» الَّذِي سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إنْ صَحَّ فَهُوَ الْحُجَّةُ فِي الْمَقَامِ وَاسْتَدَلُّوا ثَانِيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} النساء: ١٠٠ الْآيَةَ، وَالْهِجْرَةُ إلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ الْوُصُولُ إلَى حَضْرَتِهِ كَذَلِكَ الْوُصُولُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْوُصُولَ إلَى حَضْرَتِهِ فِي حَيَاتِهِ فِيهِ فَوَائِدٌ لَا تُوجَدُ فِي الْوُصُولِ إلَى حَضْرَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْهَا النَّظَرُ إلَى ذَاتِهِ الشَّرِيفَةِ وَتَعَلُّمُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مِنْهُ وَالْجِهَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَاسْتَدَلُّوا ثَالِثًا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مِنْهَا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ عَلَى الْعُمُومِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي الْجَنَائِزِ وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ مِنْ فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زِيَارَتِهَا وَمِنْهَا أَحَادِيثُ خَاصَّةٌ بِزِيَارَةِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ حَاطِبٍ عَنْ حَاطِبٍ قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي فَكَأَنَّمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» وَفِي إسْنَادِهِ الرَّجُلُ الْمَجْهُولُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضًا قَالَ: فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ عَدِيٍّ فِي كَامِلِهِ وَفِي إسْنَادِهِ حَفْصُ بْنُ أَبِي دَاوُد وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِيهِ: إنَّهُ صَالِحٌ وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهُ قَالَ الْحَافِظُ: وَفِي طَرِيقِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْعُقَيْلِيِّ مِثْلُهُ وَفِي إسْنَادِهِ فَضَالَةُ بْنُ سَعْدٍ الْمَازِنِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِ: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَفِي إسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ هِلَالٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ: أَيْ: الْعَدَالَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَالَ: إنْ صَحَّ الْخَبَرَ