عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ) .
٢١٠٢ - (وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ «ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شَاتُك شَاةُ لَحْمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعْزِ، قَالَ: اذْبَحْهَا وَلَا تَصْلُحُ لِغَيْرِك ثُمَّ قَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
ــ
نيل الأوطار
بَابُ السِّنِّ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمَا لَا يُجْزِئُ
قَوْلُهُ: (إلَّا مُسِنَّةً) قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَمَا فَوْقَهَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَذَعُ وَلَا يُجْزِئُ إلَّا إذَا عَسُرَ عَلَى الْمُضَحِّي وُجُودُ الْمُسِنَّةِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ: إنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّهُ يُجْزِئُ سَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهُ أَمْ لَا وَحَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَفْضَلِ، تَقْدِيرُهُ: يُسْتَحَبُّ لَكُمْ أَنْ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةَ ضَأْنٍ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ جَذَعَةِ الضَّأْنِ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ بِحَالٍ.
وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ يُجَوِّزُونَ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهِ وَابْنُ عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ يَمْنَعَانِهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهِ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِحْبَابِ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا تَذْبَحُوا نَهْيٌ عَنْ التَّضْحِيَةِ بِمَا عَدَا الْمُسِنَّةِ مِمَّا دُونَهَا وَذَبْحُ الْجَذَعَةِ مُقَيَّدٌ بِتَعَسُّرِ الْمُسِنَّةِ فَلَا يُجْزِئُ مَعَ عَدَمِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُقْتَضٍ لِلتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ تَصْلُحُ لِجَعْلِهَا قَرِينَةً مُقْتَضِيَةً لِلتَّأْوِيلِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِذَلِكَ. قَوْلُهُ: (جَذَعَةٌ مِنْ الضَّأْنِ) الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ مَا لَهُ سَنَةٌ تَامَّةٌ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ: سَبْعَةٌ. وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ. وَقِيلَ: عَشَرَةٌ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا بَيْنَ شَاتَيْنِ فَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ هَرِمَيْنِ فَثَمَانِيَةٌ.
قَوْلُهُ: (شَاتُك شَاةُ لَحْمٍ) أَيْ: لَيْسَتْ أُضْحِيَّةً لَا ثَوَابَ فِيهَا بَلْ هُوَ لَحْمٌ لَكَ تَنْتَفِعُ بِهِ. قَوْلُهُ: (إنَّ عِنْدِي دَاجِنًا. . . إلَخْ) الدَّاجِنُ مَا يُعْلَفُ فِي الْبَيْتِ مِنْ الْغَنَمِ وَالْمَعْزِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «إنَّ عِنْدِي جَذَعًا» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَذَعَةَ الْمَعْزِ لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ) يَأْتِي شَرْحُ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ بَيَانِ وَقْتِ الذَّبْحِ
٢١٠٣ - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «نِعْمَ - أَوْ نِعْمَتْ - الْأُضْحِيَّةُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ) .
٢١٠٤ - (وَعَنْ أُمِّ بِلَالٍ بِنْتِ هِلَالٍ عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ) .
٢١٠٥ - (وَعَنْ مُجَاشِعِ بْنِ سُلَيْمٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ: إنَّ الْجَذَعَ يُوفِي مِمَّا تُوفِي مِنْهُ الثَّنِيَّةُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ) .
٢١٠٦ - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ) .
٢١٠٧ - (وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَنِي جَذَعٌ» ؟ فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْجَمَاعَةِ إلَّا أَبَا دَاوُد «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ» ، قُلْت: وَالْعَتُودُ مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ مَا رَعَى وَقَوِيَ وَأَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ) .