ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» . رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
٢١٥٩ - (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد)
ــ
نيل الأوطار
كِتَابُ الْبُيُوعِ أَبْوَابُ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ بَابُ مَا جَاءَ فِي بَيْعِ النَّجَاسَةِ وَآلَةِ الْمَعْصِيَةِ وَمَا نَفَعَ فِيهِ
وَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِ الدُّهْنِ النَّجِسِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهَا. وَأَمَّا تَحْرِيمُ بَيْعِهَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي خِطَابِ الْكَافِرِ بِالْفُرُوعِ. قَوْلُهُ: (وَالْمَيْتَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ: وَهِيَ مَا زَالَتْ عَنْهُ الْحَيَاةُ لَا بِذَكَاةٍ شَرْعِيَّةٍ.
وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا. قِيلَ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَمَا لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ. قَوْلُهُ: (وَالْخِنْزِيرِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِهِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ. وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْفَتْحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.
وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ التَّرْخِيصَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ شَعْرِهِ. وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهِ وَبَيْعِ الْمَيْتَةِ هِيَ النَّجَاسَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ فَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى كُلِّ نَجَاسَةٍ، وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ مَالِكٍ طَهَارَةُ الْخِنْزِيرِ.
قَوْلُهُ: (وَالْأَصْنَامِ) جَمْعُ صَنَمٍ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ الْوَثَنُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْوَثَنُ مَا لَهُ جُثَّةٌ، وَالصَّنَمُ: مَا كَانَ مُصَوَّرًا، فَبَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ. وَمَادَّةُ اجْتِمَاعِهِمَا إذَا كَانَ الْوَثَنُ مُصَوَّرًا، وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعِهَا عَدَمُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ، فَإِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا بَعْدَ الْكَسْرِ. جَازَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُ.
قَوْلُهُ: (أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ) . . . إلَخْ أَيْ: فَهَلْ بَيْعُهَا لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ، كَذَا فِي الْفَتْحِ. قَوْلُهُ: (وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ) الِاسْتِصْبَاحُ: اسْتِفْعَالٌ مِنْ الْمِصْبَاحِ: وَهُوَ السِّرَاجُ الَّذِي يَشْتَعِلُ مِنْهُ الضَّوْءُ. قَوْلُهُ: (لَا هُوَ حَرَامٌ) الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْبَيْعِ، وَجَعَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رَاجِعًا إلَى الِانْتِفَاعِ، فَقَالَ: يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يُنْتَفَعُ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ كَالْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ صَرِيحًا وَالْكَلَامُ فِيهِ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: " فَبَاعُوهَا " وَتَحْرِيمُ الِانْتِفَاعِ يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ كَحَدِيثِ «لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ» وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَالْمَعْنَى لَا تَظُنُّوا أَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ مُقْتَضِيَةٌ لِجَوَازِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّ بَيْعَهَا حَرَامٌ. قَوْلُهُ: (جَمَلُوهُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ: أَيْ: أَذَابُوهُ، يُقَالُ: جَمَلَهُ إذَا أَذَابَهُ، وَالْجَمِيلُ: الشَّحْمُ الْمُذَابُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «جَمَلُوهَا ثُمَّ بَاعُوهَا» .
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إبْطَالِ الْحِيَلِ وَالْوَسَائِلِ إلَى الْمُحَرَّمِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَبَيْعُهُ حَرَامٌ لِتَحْرِيمِ ثَمَنِهِ، فَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ إلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ، وَالتَّنْصِيصُ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ