بَابُ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا
٢١٧٨ - (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ) .
ــ
نيل الأوطار
وَلَا يَنْظُرُ أَحَدٌ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَلْمِسُهُ لَمْسًا. وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَقُولَ: أَنْبِذُ مَا مَعِي وَتَنْبِذُ مَا مَعَكَ، فَيَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَلَا يَدْرِي كَمْ مَعَ الْآخَرِ. وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ فَسَّرَ الْمُنَابَذَةَ بِأَنْ يَقُولَ: إذَا نَبَذْت هَذَا الثَّوْبَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ. وَالْمُلَامَسَةُ: أَنْ يَلْمِسَ بِيَدِهِ وَلَا يَنْشُرَهُ وَلَا يُقَلِّبَهُ إذَا مَسَّهُ وَجَبَ الْبَيْعُ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: الْمُلَامَسَةُ: أَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ. وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إلَى الْآخَرِ، لَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ.
قَالَ الْحَافِظُ: وَهَذَا التَّفْسِيرُ الَّذِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ فَتَسْتَدْعِي وُجُودَ الْفِعْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ. قَالَ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الْمُلَامَسَةِ عَلَى ثَلَاثِ صُوَرٍ، هِيَ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ. أَصَحُّهَا أَنْ يَأْتِيَ بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَلْمِسَهُ الْمُسْتَامُ فَيَقُولَ لَهُ: صَاحِبُ الثَّوْبِ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ لَمْسُكَ مَقَامَ نَظَرِكَ وَلَا خِيَارَ لَكَ إذَا رَأَيْته، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلتَّفْسِيرِ الَّذِي فِي الْأَحَادِيثِ. الثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ اللَّمْسِ بَيْعًا بِغَيْرِ صِيغَةٍ زَائِدَةٍ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَجْعَلَا اللَّمْسَ شَرْطًا فِي قَطْعِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَالْبَيْعُ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا بَاطِلٌ. ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُنَابَذَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ، أَصَحُّهَا أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ النَّبْذِ بَيْعًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُلَامَسَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ سَرِيعًا بِغَيْرِ صِيغَةٍ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ قَاطِعًا لِلْخِيَارِ هَكَذَا فِي الْفَتْحِ. وَالْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَإِبْطَالُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ. وَأَمَّا الْمُخَاضَرَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ فَهِيَ بِالْخَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ، وَهِيَ بَيْعُ الثَّمَرَةِ خَضْرَاءَ قَبْلَ صَلَاحِهَا وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ.
بَابُ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ نَهَى عَنْ الثُّنْيَا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بِزِيَادَةِ " إلَّا أَنْ تُعْلَمَ " النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. وَغَلِطَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ الثُّنْيَا، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا. وَالثُّنْيَا - بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ النُّونِ - الْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي