٢٣٤٠ - (وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا أَعْطَاهُ مَالًا مُقَارَضَةً يَضْرِبُ لَهُ بِهِ أَنْ لَا تَجْعَلَ مَالِي فِي كَبِدٍ رَطْبَةٍ، وَلَا تَحْمِلَهُ فِي بَحْرٍ، وَلَا تَنْزِلَ بِهِ بَطْنَ مَسِيلٍ، فَإِنْ فَعَلْت شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ ضَمِنْت مَالِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ الْأَثَرُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَقَوَّى الْحَافِظُ إسْنَادَهُ)
ــ
نيل الأوطار
بَيْنَهُمَا فَلَا يَصِحُّ وَأَجَابَتْ الشَّافِعِيَّةُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْفَعُهَا لِمَنْ يَشَاءُ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ قَالَ: إنَّ الْوَكَالَةَ فِي الْمُبَاحَاتِ لَا تَصِحُّ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ إلَى الْآخَرِ رَاحِلَتَهُ فِي الْجِهَادِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْغَنِيمَةُ بَيْنَهُمَا، وَالِاحْتِجَاجُ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ إنَّمَا هُوَ عَلَى فَرْضِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ وَقَرَّرَ، وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ وَالتَّقْرِيرِ لَا حُجَّةَ فِي أَفْعَالِ الصَّحَابَةِ وَأَقْوَالِهِمْ إلَّا أَنْ يَصِحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَمْرٍ
وَفِي تَجْوِيزِ الْمُضَارَبَةِ آثَارٌ عَنْ جَمَاعَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ: مِنْهَا عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ: الْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ وَالرِّبْحُ عَلَى مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ أَعْطَى زَيْدَ بْنَ جَلِيدَةَ مَالًا مُقَارَضَةً، وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً فَذَكَرَ قِصَّةً، وَفِيهَا «أَنَّهُ رَفَعَ الشَّرْطَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَجَازَهُ» أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي إسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ
وَعَنْ عُمَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ أُعْطِيَ مَالَ يَتِيمٍ مُضَارَبَةً وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ عُمَرَ " أَنَّهُمَا لَقِيَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ بِالْبَصْرَةِ مُنْصَرِفًا مِنْ غَزْوَةِ نَهَاوَنْدَ، فَتَسَلَّفَا مِنْهُ مَالًا وَابْتَاعَا مِنْهُ مَتَاعًا وَقَدِمَا بِهِ الْمَدِينَةَ فَبَاعَاهُ وَرَبِحَا فِيهِ، وَأَرَادَ عُمَرُ أَخْذَ رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ كُلِّهِ فَقَالَا: لَوْ كَانَ تَلِفَ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَيْنَا فَكَيْفَ لَا يَكُونُ رِبْحُهُ لَنَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْته قِرَاضًا، فَقَالَ: قَدْ جَعَلْتُهُ قِرَاضًا وَأَخَذَ مِنْهُمَا نِصْفَ الرِّبْحِ " أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَالشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ الْحَافِظُ: إسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ شَاطَرَهُمَا فِيهِ كَمَا شَاطَرَ عُمَّالَهُ أَمْوَالَهُمْ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَأَوَّلَ التِّرْمِذِيُّ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِأَنَّهُ سَأَلَهُمَا لِبِرِّهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا أَنْ يَجْعَلَاهُ كُلَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِيبَاهُ، فَلَمَّا طَلَبَ النِّصْفَ أَجَابَاهُ عَنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمَا وَعَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ " أَنَّ عُثْمَانَ أَعْطَى مَالًا مُضَارَبَةً "
فَهَذِهِ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُضَارَبَةَ كَانَ الصَّحَابَةُ يَتَعَامَلُونَ بِهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ،