. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
جَمْعُ جَدْوَلٍ: وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ: (وَأَشْيَاءَ مِنْ الزَّرْعِ) يَعْنِي: مَجْهُولَ الْمِقْدَارِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ) . قَوْلُهُ: (فَيَهْلِكُ) بِكَسْرِ اللَّامِ: أَيْ فَرُبَّمَا يَهْلِكُ
قَوْلُهُ: (زُجِرَ عَنْهُ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ نُهِيَ عَنْهُ، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ الْمُؤَدِّي إلَى التَّشَاجُرِ وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَرْبِعَاءِ) جَمْعُ رَبِيعٍ: وَهُوَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ كَنَبِيٍّ وَأَنْبِيَاءٍ، وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى رِبْعَانٍ كَصَبِيٍّ وَصِبْيَانٍ قَوْلُهُ: (يَسْتَثْنِيهِ) مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى اسْتِثْنَاءِ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، كَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِرِوَايَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ، وَلَكِنَّهُ يُنَافِي هَذَا التَّفْسِيرَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى " فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ " وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى مَا يُفْضِي إلَى الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَيُوجِبُ الْمُشَاجَرَةَ، وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُحَابَاةِ كَمَا هُوَ شَأْنُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ
وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى الْمُخَابَرَةِ الَّتِي فَعَلَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَيْبَرَ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا إلَى مَوْتِهِ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا تَصْرِيحُ رَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِجَوَازِ الْمُزَارَعَةِ عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ مَضْمُونٍ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ حَدِيثُ أَسِيد بْنِ ظُهَيْرٍ الْآتِي، فَإِنَّ النَّهْيَ فِيهِ لَيْسَ بِمُتَوَجِّهٍ إلَى الْمُزَارَعَةِ بِالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ فَقَطْ، بَلْ إلَى ذَلِكَ مَعَ اشْتِرَاطِ ثَلَاثِ جَدَاوِلَ وَالْقُصَارَةِ وَمَا يَسْقِي الرَّبِيعُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَجْمُوعَ ذَلِكَ غَيْرُ الْمُخَابَرَةِ الَّتِي أَجَازَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَعَلَهَا فِي خَيْبَرَ، نَعَمْ حَدِيثُ رَافِعٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ بِلَفْظِ «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا وَلَا يُكَارِهَا بِثُلُثٍ وَلَا رُبُعٍ وَلَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى» وَكَذَلِكَ حَدِيثُهُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ بَكْرُ بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ قَالَ: «إنَّهُ زَرَعَ أَرْضًا فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَسْقِيهَا، فَسَأَلَهُ: لِمَنْ الزَّرْعُ وَلِمَنْ الْأَرْضُ؟ فَقَالَ: زَرْعِي بِبَذْرِي وَعَمَلِي وَلِي الشَّطْرُ وَلِبَنِي فُلَانٍ الشَّطْرُ، فَقَالَ: أَرْبَيْتُمَا فَرُدَّ الْأَرْضَ عَلَى أَهْلِهَا وَخُذْ نَفَقَتَكَ» وَمِثْلُهُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُخَابَرَةِ، قُلْت: وَمَا الْمُخَابَرَةُ؟ قَالَ: أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ» فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْمُخَابَرَةِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ
وَمِثْلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ أَسِيد الْآتِي عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُزَارَعَةِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ وَعَدَمُ تَقْيِيدِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ كَلَامِ أَسِيد كَمَا سَيَأْتِي، وَلَكِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى جَعْلِهَا نَاسِخَةً لِمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَيْبَرَ لِمَوْتِهِ وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى ذَلِكَ وَتَقْرِيرُهُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى جَعْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى النَّهْيِ مَنْسُوخَةً بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقْرِيرِهِ لِصُدُورِ النَّهْيِ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ مُعَامَلَتِهِ، وَرُجُوعِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى النَّهْيَ، وَالْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ هُوَ الْوَاجِبُ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ الْكَرَاهَةُ، وَلَا