. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
الثَّلَاثِ الْآيَاتِ
وَحَدِيثُ الْبَابِ مُخَصِّصٌ لِهَذِهِ الْآيَاتِ، فَيَحْرُمُ مِنْ مَالِ الْآدَمِيِّ وَعِرْضِهِ وَدَمِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ الْمُجَازَاةِ فَإِنَّهَا حَلَالٌ إلَّا الْخِيَانَةَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ، وَلَكِنَّ الْخِيَانَةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَمَانَةِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ كَلَامُ الْقَامُوسِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ حَبْسُ حَقِّ خَصْمِهِ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ، إنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ أَنْ يَحْبِسَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً لِخَصْمِهِ أَوْ عَارِيَّةً، مَعَ أَنَّ الْخِيَانَةَ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى جِهَةِ الْخَدِيعَةِ وَالْخُفْيَةِ، وَلَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ مِنْ ذَلِكَ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ الْجَوَازَ إذْنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِامْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ تَأْخُذَ لَهَا وَلِوَلَدِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا مَا يَكْفِيهَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَبْسِ الْمَذْكُورَةِ، فَذَهَبَ الْهَادِي إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا لَا مِنْ الْجِنْسِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ: إنَّ قَوْلَ الْهَادِي مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَنْصُورُ بِاَللَّهِ: يَجُوزُ مِنْ الْجِنْسِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ: يَجُوزُ مِنْ الْجِنْسِ فَقَطْ، وَقَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى: يَجُوزُ مِنْ الْجِنْسِ ثُمَّ مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَذُّرِهِ دَيْنًا قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ: قُلْت: الْأَقْرَبُ اشْتِرَاطُ الْحَاكِمِ حَيْثُ يُمْكِنُ لِلْخَبَرِ، يَعْنِي: حَدِيثَ الْبَابِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ جَازَ الْحَبْسُ وَغَيْرُهُ لِئَلَّا تَضِيعَ الْحُقُوقُ وَلِظَوَاهِرِ الْآيِ.
٢٣٩٠ - (وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، زَادَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ: قَالَ قَتَادَةُ: ثُمَّ نَسِيَ الْحَسَنُ فَقَالَ: هُوَ أَمِينُكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، يَعْنِي: الْعَارِيَّةَ) الْحَدِيثُ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ قَدْ تَقَدَّمَ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ رَدُّ مَا أَخَذَتْهُ يَدُهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِإِعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى مَالِكِهِ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوَدِيعَ وَالْمُسْتَعِيرَ ضَامِنَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى التَّضْمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ إذَا كَانَ عَلَى الْيَدِ الْآخِذَةِ حَتَّى تَرُدَّهُ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ فِي ضَمَانِهَا كَمَا يُشْعِرُ لَفْظُ عَلَى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَأْخُوذٍ وَمَأْخُوذٍ وَقَالَ الْمُقْبِلِيُّ فِي الْمَنَارِ: يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعَ عَلَى التَّضْمِينِ وَلَا أَرَاهُ صَرِيحًا؛ لِأَنَّ الْيَدَ الْأَمِينَةَ أَيْضًا عَلَيْهَا مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ، وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِأَمِينَةٍ:
وَمُسْتَخْبِرٌ عَنْ سِرِّ لَيْلَى تَرَكْته ... بِعَمْيَاءَ مِنْ لَيْلَى بِغَيْرِ يَقِينِ
يَقُولُونَ خَبِّرْنَا فَأَنْتَ أَمِينُهَا ... وَمَا أَنَا إنْ خَبَّرْتهمْ بِأَمِينِ