. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
يَكُونَ إنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الْأَكْلَ قَبْلَ التَّعْرِيفِ بِالِاضْطِرَارِ
١ -
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ، وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ فِي بَلَدِ مَكَّةَ «وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُعَرِّفٍ» وَاحْتَجَّ بِهِمَا مَنْ قَالَ: لَا تُمْلَكُ لُقَطَةُ الْحَرَمِ بِحَالٍ بَلْ تُعَرَّفُ أَبَدًا الْحَدِيثُ الثَّانِي قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ: (نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ) هَذَا النَّهْيُ تَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ النَّهْيُ عَنْ الْتِقَاطِ ذَلِكَ لِلْمِلْكِ، وَأَمَّا لِلْإِنْشَادِ بِهَا فَلَا بَأْسَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُعَرِّفٍ» وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ»
قَوْلُهُ: (إلَّا لِمُعَرِّفٍ) قَدْ اسْتَشْكَلَ تَخْصِيصُ لُقَطَةِ الْحَاجِّ بِمِثْلِ هَذَا مَعَ أَنَّ التَّعْرِيفَ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي كُلِّ لُقَطَةٍ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ لُقَطَةِ الْحَاجِّ وَغَيْرِهِ وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ لُقَطَةَ الْحَاجِّ لَا تَحِلُّ إلَّا لِمَنْ يُرِيدُ التَّعْرِيفَ فَقَطْ مِنْ دُونِ تَمَلُّكٍ فَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَهَا ثُمَّ يَتَمَلَّكَهَا فَلَا وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ لَا تُلْتَقَطُ لِلتَّمَلُّكِ بَلْ لِلتَّعْرِيفِ خَاصَّةً قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا اُخْتُصَّتْ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ لِإِمْكَانِ إيصَالِهَا إلَى أَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِلْمَكِّيِّ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ لِلْآفَاقِيِّ فَلَا يَخْلُو أُفُقٌ غَالِبًا مِنْ وَارِدٍ إلَيْهَا، فَإِذَا عَرَّفَهَا وَاجِدُهَا فِي كُلِّ عَامٍ سَهُلَ التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: هِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ، وَإِنَّمَا تَخْتَصُّ مَكَّةُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَّ يَرْجِعُ إلَى بَلَدِهِ وَقَدْ لَا يَعُودُ، فَاحْتَاجَ الْمُلْتَقِطُ لَهَا إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّعْرِيفِ وَاحْتَجَّ ابْنُ الْمُنَيِّرِ لِمَذْهَبِهِ بِظَاهِرِ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الْحِلَّ وَاسْتَثْنَى الْمُنْشِدَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحِلَّ ثَابِتٌ لِلْمُنْشِدِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ، قَالَ: وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَكَّةَ وَغَيْرَهَا سَوَاءٌ، وَالسِّيَاقُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهَا
قَالَ الْحَافِظُ: وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّخْصِيصَ إذَا وَافَقَ الْغَالِبَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومٌ، وَالْغَالِبُ أَنَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ لَا يَيْأَسُ مُلْتَقِطُهَا مِنْ صَاحِبِهَا، وَصَاحِبُهَا مِنْ وِجْدَانِهَا لِتَفَرُّقِ الْخَلْقِ فِي الْآفَاقِ الْبَعِيدَةِ فَرُبَّمَا دَاخَلَ الْمُلْتَقِطَ الطَّمَعُ فِي تَمَلُّكِهَا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَلَا يُعَرِّفُهَا فَنَهَى الشَّارِعُ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا إلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ " إلَّا لِمُنْشِدٍ " أَيْ: مَنْ سَمِعَ نَاشِدًا يَقُولُ: مَنْ رَأَى كَذَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِوَاجِدِ اللُّقَطَةِ أَنْ يَرْفَعَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا، وَهُوَ أَضْيَقُ مِنْ قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِحَالَةٍ لِلْمُعَرِّفِ دُونَ حَالَةٍ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: " إلَّا لِمُعَرِّفٍ " وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ لُقَطَةِ الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ
وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ لَمْ تُفَصِّلْ