. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الصَّدَاقِ أَيْسَرُهُ» .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رِجَالُ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ. وَحَدِيثُ أَبِي الْعَجْفَاءِ صَحَّحَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. وَأَبُو الْعَجْفَاءِ اسْمُهُ هَرِمُ بْنُ نَسِيبٍ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ. وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْكَرَابِيسِيُّ: حَدِيثُهُ لَيْسَ بِالْقَائِمِ.
وَحَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ: «إنَّهُ زَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْهَرهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَبَعَثَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ» .
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا: «أَنَّ النَّجَّاشِيَّ زَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صَدَاقِ أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَقِيلَ: بِمِائَتَيْ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ: (أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ النِّكَاحِ مَعَ قِلَّةِ الْمَهْرِ، وَأَنَّ الزَّوَاجَ بِمَهْرٍ قَلِيلٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إذَا كَانَ قَلِيلًا لَمْ يَسْتَصْعِبْ النِّكَاحَ مَنْ يُرِيدُهُ فَيَكْثُرُ الزَّوَاجُ الْمُرَغَّبُ فِيهِ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ وَيَكْثُرُ النَّسْلُ الَّذِي هُوَ أَهَمُّ مَطَالِبِ النِّكَاحِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَهْرُ كَثِيرًا فَإِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ، فَيَكُونُ الْفُقَرَاءُ الَّذِينَ هُمْ الْأَكْثَرُ فِي الْغَالِبِ غَيْرَ مُزَوَّجِينَ فَلَا تَحْصُلُ الْمُكَاثَرَةُ الَّتِي أَرْشَدَ إلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَلَفَ فِي أَوَّلِ النِّكَاحِ.
قَوْلُهُ: (وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةٍ) أَيْ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الْأُوقِيَّةَ كَانَتْ قَدِيمًا عِبَارَةٌ عَنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. قَوْلُهُ: (كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ. . . إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّهُنَّ كَانَ صَدَاقُهُنَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ، فَإِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أَصْدَقَهَا النَّجَاشِيُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمِقْدَارَ الْمُتَقَدِّمَ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: «أَصْدَقَهَا أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِهِ. وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَصَفِيَّةُ كَانَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا، وَخَدِيجَةُ وَجُوَيْرِيَةُ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ.
قَوْلُهُ: (وَنَشٌّ) بِفَتْحِ النُّونِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ، وَقَعَ مَرْفُوعًا فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَالصَّوَابُ: وَنَشًّا، بِالنَّصْبِ مَعَ وُجُودِ لَفْظِ: كَانَ، كَمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، أَوْ الرَّفْعِ مَعَ عَدَمِهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد. قَوْلُهُ: (لَا تُغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ. . . إلَخْ) . ظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ. وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُغَالُوا فِي مَهْرِ النِّسَاءِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ: لَيْسَ ذَلِكَ لَك يَا عُمَرُ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} النساء: ٢٠ مِنْ ذَهَبٍ كَمَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ عُمَرُ: امْرَأَةٌ خَاصَمَتْ عُمَرَ فَخَصَمَتْهُ " وَأَخْرَجَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ بِلَفْظِ: " امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ " وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مُطَوَّلًا. وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمَهْرَ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ بِحَيْثُ تَصِيرُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِّ بَاطِلَةً لِلْآيَةِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْقِنْطَارِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: هُوَ مِلْءُ مَسْكِ ثَوْرٍ ذَهَبًا.
وَقَالَ مُعَاذٌ: أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ ذَهَبًا. وَقِيلَ: سَبْعُونَ أَلْفَ مِثْقَالٍ. وَقِيلَ: مِائَةُ رَطْلٍ ذَهَبًا