عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ) .
٢٩٥٧ - (وَعَنْ أُمِّ الْفَضْلِ: «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتُحَرِّمُ الْمَصَّةُ؟ فَقَالَ: لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ، وَالْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: «دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي بَيْتِي فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنِّي كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْت عَلَيْهَا أُخْرَى فَزَعَمَتْ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتْ امْرَأَتِي الْحُدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ» رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ) .
٢٩٥٨ - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ)
ــ
نيل الأوطار
كِتَابُ الرَّضَاعِ بَابُ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ الْمُحَرِّمَةِ
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: الصَّحِيحُ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ بِالِاضْطِرَابِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، وَجَمَعَ ابْنُ حِبَّانَ بَيْنَهُمَا بِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الزُّبَيْرِ سَمِعَهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ، وَفِي الْجَمْعِ بُعْدٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا
قَوْلُهُ: (الرَّضْعَةُ) هِيَ الْمَرَّةُ مِنْ الرَّضَاعِ كَضَرْبَةٍ وَجَلْسَةٍ وَأَكْلَةٍ، فَمَتَى الْتَقَمَ الصَّبِيُّ الثَّدْيَ فَامْتَصَّ مِنْهُ ثُمَّ تَرَكَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِغَيْرِ عَارِضٍ كَانَ ذَلِكَ رَضْعَةً.
وَفِي الْقَامُوسِ: رَضَعَ أُمَّهُ كَسَمِعَ وَضَرَبَ رَضْعًا، وَيُحَرَّكُ، وَرَضَاعًا وَرَضَاعَةً، وَيُكْسَرَانِ، وَرَضِعًا كَكَتِفٍ فَهُوَ رَاضِعٌ، إلَى أَنْ قَالَ: امْتَصَّ ثَدْيَهَا، ثُمَّ قَالَ فِي مَادَّةِ مَصَصْته: إنَّهُ بِمَعْنَى شَرِبْته شُرْبًا رَفِيقًا.
وَفِي الضِّيَاءِ أَنَّ الْمَصَّةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ الْمَصِّ، وَهِيَ أَخْذُ الْيَسِيرِ مِنْ الشَّيْءِ. قَوْلُهُ: (الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ) الْإِمْلَاجَةُ: الْإِرْضَاعَةُ الْوَاحِدَةُ مِثْلُ الْمَصَّةِ.
وَفِي الْقَامُوسِ: مَلَجَ الصَّبِيُّ أُمَّهُ كَنَصَرَ وَسَمِعَ: تَنَاوَلَ ثَدْيَهَا بِأَدْنَى فَمِهِ، وَامْتَلَجَ اللَّبَنَ: امْتَصَّهُ. وَأَمْلَجَهُ: أَرْضَعَهُ، وَالْمَلِيجُ: الرَّضِيعُ، انْتَهَى
وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّضْعَةَ الْوَاحِدَةَ وَالرَّضْعَتَيْنِ وَالْمَصَّةَ الْوَاحِدَةَ وَالْمَصَّتَيْنِ وَالْإِمْلَاجَةَ والإملاجتين، لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ الرَّضَاعِ الْمُوجِبُ لِلتَّحْرِيمِ. وَتَدُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَفْهُومِهَا أَنَّ الثَّلَاثَ مِنْ الرَّضَعَاتِ أَوْ الْمَصَّاتِ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ. وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، انْتَهَى. وَحَكَاهُ فِي الْبَدْرِ التَّمَّامِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَلَكِنَّهُ يُعَارِضُ هَذَا الْمَفْهُومَ الْقَاضِيَ بِأَنَّ مَا فَوْقَ الِاثْنَتَيْنِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الرَّضَاعَ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّحْرِيمِ هُوَ الْخَمْسُ الرَّضَعَاتِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ، وَذِكْرُ مَنْ قَالَ بِهِ، نَعَمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ دَافِعَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الرَّضَاعَ الْمُقْتَضِي لِلتَّحْرِيمِ هُوَ الْوَاصِلُ إلَى الْجَوْفِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَصَّةَ الْوَاحِدَةَ تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، فَكَيْفَ مَا فَوْقَهَا؟ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ