. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
مُتَمَسَّكَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ لِمَا عَرَفْتَ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} النساء: ١٤١ وَلَوْ كَانَ لِلْكَافِرِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْمُسْلِمِ لَكَانَ فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ سَبِيلٍ، وَقَدْ نَفَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ السَّبِيلُ نَفْيًا مُؤَكَّدًا.
وقَوْله تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} الحشر: ٢٠ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْوَاقِعَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يَتَضَمَّنُ النَّكِرَةَ فَهُوَ فِي قُوَّةٍ لَا اسْتِوَاءَ فَيَعُمُّ كُلَّ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ إلَّا مَا خُصَّ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قِصَّةُ الْيَهُودِيِّ الَّذِي لَطَمَهُ الْمُسْلِمُ لَمَّا قَالَ: لَا وَاَلَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، فَلَطَمَهُ الْمُسْلِمُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُثْبِتْ لَهُ الْقِصَاصَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْكُوفِيِّينَ لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ الْقِصَاصَ بِاللَّطْمَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ» وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ لَكِنَّهُ قَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ. قَوْلُهُ: «الْمُؤْمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» أَيْ تَتَسَاوَى فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ. وَالْكُفْءُ: النَّظِيرُ وَالْمُسَاوِي، وَمِنْهُ الْكَفَاءَةُ فِي النِّكَاحِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فِي الدَّمِ بِخِلَافِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْمُفَاضَلَةِ وَعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ. قَوْلُهُ: «وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» أَيْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ لَا يَسَعُهُمْ التَّخَاذُلُ بَلْ يُعَاوِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
قَوْلُهُ: «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» يَعْنِي إذَا أَمَّنَ الْمُسْلِمُ حَرْبِيًّا كَانَ أَمَانُهُ أَمَانًا مِنْ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ امْرَأَةً بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا فَيَحْرُمُ النَّكْثُ مِنْ أَحَدِهِمْ بَعْدَ أَمَانِهِ.
٣٠٠٣ - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
٣٠٠٤ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً لَهَا ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ أَخْفَرَ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلَا يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَة أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ قَالَ إنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ: إنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مَرْفُوعًا قَوْلُهُ: (مُعَاهَدًا) الْمُعَاهَدُ هُوَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ يَدْخُلُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى