. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
الزُّهْرِيِّ يَرْفَعهُ، وَفَرَجٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَوَّاهُ أَحْمَدُ. وَبَالَغَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ أَبُو حَاتِمٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْعِلَلِ: إنَّهُ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ حَكِيمِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ خَلَفِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ سَمِعْت عُمَرَ فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ حَكِيمٌ عَنْ خَلَفٍ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ. وَأَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظٍ «يَجِيءُ الْقَاتِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَكْتُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» وَأَعَلَّهُ بِعَطِيَّةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ. قَالَ الْحَافِظُ: وَمُحَمَّدُ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى أَحَادِيثِهِ بِالْوَضْعِ، فَأَمَّا عَطِيَّةُ فَضَعِيفٌ، لَكِنَّ حَدِيثَهُ يُحَسِّنُهُ التِّرْمِذِيُّ إذَا تُوبِعَ.
وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ جَمِيعُ رِجَالِ إسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِعَدَمِ الْمَغْفِرَةِ لِلْقَاتِلِ. وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ لَفْظُهُ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ لَا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا، أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» قَالَ الْخَطَّابِيِّ: فَاعْتَبَطَ: أَيْ فَقَتَلَهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَفَسَّرَهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ بِأَنَّهُ الَّذِي يَقْتُلُ صَاحِبَهُ فِي الْفِتْنَةِ فَيَرَى أَنَّهُ عَلَى هُدًى لَا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ سَكَتَ عَنْهُمَا أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ، وَرِجَالُ إسْنَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُوَثَّقُونَ قَوْلُهُ: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ. . . إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ ذَنْبِ الْقَتْلِ، لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْأَهَمِّ وَعَائِدُ الْمَوْصُولِ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ أَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وَيَكُونَ تَقْدِيرُهُ: أَوَّلُ قَضَاءٍ فِي الدِّمَاءِ. أَوْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ: أَيْ أَوَّلُ مَقْضِيٍّ فِيهِ الدِّمَاءُ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْجَمْعُ بَيْن هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ " أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ ". وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ يَتَعَلَّقُ بِمُعَامَلَاتِ الْعِبَادِ وَالثَّانِي بِمُعَامَلَاتِ اللَّهِ.
قَالَ الْحَافِظُ: عَلَى أَنَّ النَّسَائِيّ أَخْرَجَهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ بِهِ الصَّلَاةُ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ» وَقَدْ اُسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ يَخْتَصُّ بِالنَّاسِ وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَهُوَ غَلَطٌ، لِأَنَّ مُفَادَهُ حَصْرُ الْأَوَّلِيَّةِ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ مَثَلًا بَعْدَ الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلُ) هُوَ قَابِيلُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَعَكَسَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ وَاصِلٌ فِي تَارِيخِهِ فَقَالَ: اسْمُ الْمَقْتُولِ قَابِيلُ اُشْتُقَّ مِنْ قَبُولِ قُرْبَانِهِ. وَقِيلَ اسْمُهُ قَابِنٌ بِنُونٍ بَدَلِ اللَّامِ بِغَيْرِ يَاءٍ. وَقِيلَ قَبْنٌ مِثْلُهُ بِغَيْرِ أَلْفٍ. وَعَنْ الْحَسَنِ: لَمْ يَكُنْ ابْنُ آدَمَ الْمَذْكُورُ وَأَخُوهُ الْمَقْتُولُ مِنْ صُلْبِ