. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
الْمُقْتَتِلَتَيْنِ زَوْجًا غَيْرَ زَوْجِ الْأُخْرَى كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَكَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بِلَفْظِ: «إنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا زَوْجٌ، فَبَرَّأَ الزَّوْجَ وَالْوَلَدَ، ثُمَّ مَاتَتْ الْقَاتِلَةُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَالْعَقْلَ عَلَى الْعَصَبَةِ» .
وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ الْمُقْتَتِلَتَيْنِ زَوْجُهُمَا وَاحِدٌ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَكَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كَانَ فِينَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ لَهُ امْرَأَتَانِ إحْدَاهُمَا هُذَلِيَّةٌ وَالْأُخْرَى عَامِرِيَّةٌ، فَضَرَبَتْ الْهُذَلِيَّةُ بَطْنَ الْعَامِرِيَّةِ " وَأَخْرَجَهُ الْحَارِثُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمَلِيحِ فَأَرْسَلَهُ لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ، وَلَفْظُهُ: " أَنَّ حَمَلَ بْنَ النَّابِغَةِ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ مُلَيْكَةُ وَامْرَأَةٌ مِنَّا يُقَالُ لَهَا أُمُّ عُفَيْفٍ بِنْتُ مَسْرُوحٍ تَحْتَ حَمَلِ بْنِ النَّابِغَةِ فَضَرَبَتْ أُمُّ عُفَيْفٍ مُلَيْكَةَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد " إحْدَاهُمَا مُلَيْكَةُ وَالْأُخْرَى أُمُّ عُطَيْفٍ ".
قَوْلُهُ: (بَابُ الْعَاقِلَةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ عَاقِلٍ وَهُوَ دَافِعُ الدِّيَةِ، وَسُمِّيَتْ الدِّيَةُ عَقْلًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ؛ لِأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تُعْقَلُ بِفِنَاءِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى أُطْلِقَ الْعَقْلُ عَلَى الدِّيَةِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إبِلًا، وَعَاقِلَةُ الرَّجُلِ قَرَابَاتُهُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَهُمْ عَصَبَتُهُ وَهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يَعْقِلُونَ الْإِبِلَ عَلَى بَابِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ.
وَتَحْمِيلُ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ، وَتَضْمِينُ الْعَاقِلَةِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الأنعام: ١٦٤ فَتَكُونُ الْأَحَادِيثُ الْقَاضِيَةُ بِتَضْمِينِ الْعَاقِلَةِ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ الْآيَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَوْ أُخِذَ بِالدِّيَةِ لَأَوْشَكَ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ لِأَنَّ تَتَابُعَ الْخَطَإِ لَا يُؤْمَنُ، وَلَوْ تُرِكَ بِغَيْرِ تَغْرِيمٍ لَأُهْدِرَ دَمُ الْمَقْتُولِ. وَعَاقِلَةُ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ، فَيُبْدَأُ بِفَخِذِهِ الْأَدْنَى فَإِنْ عَجَزُوا ضُمَّ إلَيْهِمْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ الْمُكَلَّفُ الذَّكَرُ الْحُرُّ مِنْ عَصَبَةِ النَّسَبِ ثُمَّ السَّبَبِ ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ النَّاصِرُ: إنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَصَبَةِ ثُمَّ عَلَى أَهْل الدِّيوَانِ يَعْنِي جُنْدَ السُّلْطَانِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّهَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَان وَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَهَا عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ دُونَ أَهْلِ الْمِيرَاثِ وَلَمْ يُنْكَرْ، هَكَذَا فِي الْبَحْرِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُخَالَفَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
وَقَدْ حُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَأَكْثَرِ الْخَوَارِجِ أَنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ وَلَا تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ. وَحُكِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالْبَتِّيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّ الَّذِي يَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ هُوَ الْخَطَأُ الْمَحْضُ وَعَمْدُ الْخَطَإِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ. قَوْلُهُ: (عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَةٌ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقِيَاسُ فِي مَصْدَرِ عَقَلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى الْعَقْلِ أَوْ الْعُقُولِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْهَاءُ لِإِفَادَةِ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ. قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ أَنْ يُتَوَالَى مَوْلَى رَجُلٍ. . . إلَخْ) فِيهِ تَحْرِيمُ أَنْ يَتَوَلَّى مَوْلَى الرَّجُلِ مَوَالِيَ رَجُلٍ آخَرَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " بِغَيْرِ إذْنِهِ " أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ الْإِذْنِ، بَلْ الْمُرَادُ التَّأْكِيدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} آل عمران: ١٣٠