٣١٤٣ - (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ، وَلَا كَثَرٍ» . رَوَاهُ الْخَمْسَةُ) .
٣١٤٤ - (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
نيل الأوطار
عَلَى مَا لَمْ تَبْلُغْ قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ أَنَّهُ دُونَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ فَإِنَّهُ يُفَضَّلُ الْجِنْسُ عَلَى جِنْسٍ آخَرَ مُغَايِرٍ لَهُ بِاعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ الْعَرَضُ عَلَى الْعَرَضِ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ ثَمَنِهِمَا. الْمَذْهَبُ الْعَاشِرُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ الْقَطْعُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَدَاوُد وَالْخَوَارِجِ، وَاسْتَدَلُّوا بِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} المائدة: ٣٨ . وَيُجَابُ بِأَنَّ إطْلَاقَ الْآيَةِ مُقَيَّدٌ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ.
وَاسْتَدَلُّوا ثَانِيًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ فَإِنَّ فِيهِ: «يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ تَحْقِيرُ شَأْنِ السَّارِقِ وَخَسَارِ مَا رَبِحَهُ، وَأَنَّهُ إذَا جَعَلَ السَّرَقَ عَادَةً لَهُ جَرَّأَهُ ذَلِكَ عَلَى سَرِقَةِ مَا فَوْقَ الْبَيْضَةِ وَالْحَبْلِ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الْمِقْدَارِ الَّذِي تُقْطَعُ بِهِ الْأَيْدِي، هَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيِّ وَابْنُ قُتَيْبَةَ وَفِيهِ تَعَسُّفٌ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْفِيرِ عَنْ السَّرِقَةِ وَجَعْلُ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا فِيهِ الْقَطْعُ كَمَا فِي حَدِيثِ: «مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ» وَحَدِيثِ: «تَصَدَّقِي وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحَرَّقٍ» مَعَ أَنَّ مَفْحَصَ الْقَطَاةِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا، وَالظِّلْفُ الْمُحَرَّقُ لَا ثَوَابَ فِي التَّصَدُّقِ بِهِ لِعَدَمِ نَفْعِهِ، وَلَكِنَّ مَقَامَ التَّرْغِيبِ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالصَّدَقَةِ اقْتَضَى ذَلِكَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيْضَةِ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْبَابِ عَنْ الْأَعْمَشِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهَا قِيمَةً.
وَكَذَلِكَ الْحَبْلُ فَإِنَّ فِي الْحِبَالِ مَا تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ كَحِبَالِ السُّفُنِ، وَلَكِنَّ مَقَامَ الْمُبَالَغَةِ لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَطَعَ فِي بَيْضَةِ حَدِيدٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِينَارٍ.
الْحَادِيَ عَشْرَ: أَنَّهُ يَثْبُتُ الْقَطْعُ فِي دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا لَا دُونَهُ، حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَتِّيِّ، وَرُوِيَ عَنْ رَبِيعَةَ. هَذِهِ جُمْلَةُ الْمَذَاهِبِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ جَعَلَهَا فِي الْفَتْحِ عِشْرِينَ مَذْهَبًا وَلَكِنَّ الْبَقِيَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا لَا يَصْلُحُ جَعْلُهَا مَذَاهِبَ مُسْتَقِلَّةً لِرُجُوعِهَا إلَى مَا حَكَيْنَاهُ.