. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
عَقْلًا لِأَنَّهُ لَا فَاعِلَ إلَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَادَةٌ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَفْتَرِقُ الْأَفْعَالُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ، وَلَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِقَصْرِهِ عَلَى مَرْتَبَةٍ لَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يُوجَدُ شَرْعٌ قَاطِعٌ يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ وَذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْآيَةِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي مَنْعِ الزِّيَادَةِ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ أَمْ لَا، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: إذَا جَوَّزَتْ الْأَشْعَرِيَّةُ خَرْقَ الْعَادَةِ عَلَى يَدِ السَّاحِرِ فَبِمَاذَا يَتَمَيَّزُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ . فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَادَةَ تَنْخَرِقُ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ يَتَحَدَّى بِهَا الْخَلْقَ وَيَسْتَعْجِزُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا وَيُخْبِرُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِخَرْقِ الْعَادَةِ لَهُ لِتَصْدِيقِهِ، فَلَوْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ تَنْخَرِقْ الْعَادَةُ عَلَى يَدَيْهِ، وَالْوَلِيُّ وَالسَّاحِرُ لَا يَتَحَدَّيَانِ الْخَلْقَ وَلَا يَسْتَدِلَّانِ عَلَى نُبُوَّةٍ وَلَوْ ادَّعَيَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَنْخَرِقْ الْعَادَةُ لَهُمَا.
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ: إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَظْهَرُ إلَّا عَلَى فَاسِقٍ، وَالْكَرَامَةُ لَا تَظْهَرُ عَلَى فَاسِقٍ فَإِنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى وَلِيٍّ، وَبِهَذَا جَزَمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا. وَالثَّانِي: أَنَّ السِّحْرَ قَدْ يَكُونُ نَاشِئًا بِفِعْلِهَا وَبِمَزْجِهَا وَمُعَانَاةٍ وَعِلَاجٍ، وَالْكَرَامَةُ لَا تَفْتَقِرُ إلَى ذَلِكَ، وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ يَقَعُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدْعِيَهُ أَوْ يَشْعُرَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، هَكَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ. قَوْلُهُ: (دَعَا اللَّهَ وَدَعَا) فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: " دَعَا اللَّهَ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ دَعَا " وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَ حُصُولِ الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ وَتَكْرِيرِهِ وَحُسْنِ الِالْتِجَاءِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
قَوْلُهُ: (مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ) بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِمُوَحِّدَتَيْنِ اسْمُ مَفْعُولٍ. قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الطِّبُّ مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ لِعِلَاجِ الدَّاءِ طِبٌّ وَلِلسِّحْرِ طِبٌّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدْوَاءِ، وَرَجُلٌ طَبِيبٌ: أَيْ حَاذِقٌ سُمِّيَ طَبِيبًا لِحِذْقِهِ وَفِطْنَتِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: كَنَّوْا بِالطِّبِّ عَنْ السِّحْرِ كَمَا كَنَّوْا بِالسَّلِيمِ عَنْ اللَّدِيغِ. قَوْلُهُ: (مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ) بِتَقَدُّمِ الزَّايِ. قَوْلُهُ: (فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ) الْمُشْطُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالشِّينِ وَبِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ: وَهُوَ الْآلَةُ الْمَعْرُوفَةُ الَّتِي يُسَرَّحُ بِهَا الشَّعْرُ، وَالْمُشَاطَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ: وَهِيَ الشَّعْرُ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ اللِّحْيَةِ عِنْدَ تَسْرِيحِهِ بِالْمُشْطِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُشَاقَةٍ بِالْقَافِ وَهِيَ الْمُشَاطَةُ، وَقِيلَ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ. قَوْلُهُ: (وَجُفِّ طَلْعَةِ) بِالْجِيمِ وَالْفَاءِ وَهُوَ وِعَاءُ طَلْعِ النَّخْلِ: أَيْ الْغِشَاءُ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فَلِهَذَا قَيَّدَهُ فِي الْحَدِيثِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَجُبِّ طَلْعَةٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا كَذَلِكَ وَالطَّلْعَةُ: النَّخْلَةُ وَهُوَ بِإِضَافَةِ طَلْعَةٍ إلَى ذَكَرٍ. قَوْلُهُ: (فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ) هَكَذَا فِي مُعْظَمِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ.
وَفِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مَشْهُورٌ قَالَ: وَاَلَّذِي فِي مُسْلِمٍ أَجْوَدُ وَأَصَحُّ. وَادَّعَى ابْنُ قُتَيْبَةَ أَنَّهُ