. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فِي ذَلِكَ مَبْسُوطَةً، وَكَذَلِكَ الْفَاكِهِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مُرْسَلٍ، وَفِيهِ أَنَّ الْمُطْعِمَ أَمَرَ أَوْلَادَهُ الْأَرْبَعَةَ فَلَبِسُوا السِّلَاحَ وَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِنْدَ رُكْنٍ مِنْ الْكَعْبَةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، فَقَالُوا لَهُ: أَنْتَ الرَّجُلُ لَا تُخْفَرُ ذِمَّتُكَ.
وَقِيلَ إنَّ الْيَدَ الَّتِي كَانَتْ لَهُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَشَدِّ مَنْ سَعَى فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي كَتَبَتْهَا قُرَيْشٌ فِي قَطِيعَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حِينَ حَصَرُوهُمْ فِي الشِّعْبِ (قَوْلُهُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْلًا. . . إلَخْ) زَعَمَ سَيْفٌ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ لَهُ أَنَّ الَّذِي أَخَذَ ثُمَامَةَ وَأَسَرَهُ هُوَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ إنَّمَا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي زَمَانِ فَتْحِ مَكَّةَ، وَقِصَّةُ ثُمَامَةَ تَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ بِحَيْثُ اعْتَمَرَ ثُمَامَةُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بِلَادِهِ ثُمَّ مَنَعَهُمْ أَنْ يَمِيرُوا أَهْلَ مَكَّةَ ثُمَّ شَكَا أَهْلُ مَكَّةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ ثُمَّ بَعَثَ يَشْفَعُ فِيهِمْ عِنْدَ ثُمَامَةَ (قَوْلُهُ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ) هُوَ ابْنُ لُجَيْمٍ بِجِيمٍ ابْنُ صُهَيْبِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ: وَهِيَ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ يَنْزِلُونَ الْيَمَامَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ.
(قَوْلُهُ ثُمَامَةَ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَأُثَالُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِمُثَلَّثَةٍ خَفِيفَةٍ: وَهُوَ ابْنُ النُّعْمَانِ بْنِ مُسِيلَةَ الْحَنَفِيُّ وَهُوَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ مَاذَا عِنْدَكَ) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ عِنْدَكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَذَا مَوْصُولَةٌ وَعِنْدَكَ صِلَةٌ: أَيْ مَا الَّذِي اسْتَقَرَّ فِي ظَنِّكَ أَنْ أَفْعَلَهُ بِك؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ ظَنَّ خَيْرًا، فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ: أَيْ لِأَنَّك لَسْتَ مِمَّنْ يَظْلِمُ بَلْ مِمَّنْ يَعْفُو وَيُحْسِنُ (قَوْلُهُ: تَقْتُلْ ذَا دَمٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَتَخْفِيفُ الْمِيمِ لِلْأَكْثَرِ، وللكشميهني " ذَمٍّ " بِمُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا مِيمٌ مُشَدَّدَةٌ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ بِمُهْمَلَةٍ: أَيْ صَاحِبَ دَمٍ لِدَمِهِ مَوْقِعٌ يَسْتَشْفِي قَاتِلُهُ بِقَتْلِهِ وَيُدْرِكُ ثَأْرَهُ لِرِيَاسَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: عَلَيْهِ دَمٌ وَهُوَ مَطْلُوبٌ بِهِ فَلَا لَوْمَ عَلَيْكَ فِي قَتْلِهِ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ بِالْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهَا ذَا ذِمَّةٍ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَضَعَّفَهَا عِيَاضٌ بِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَا ذِمَّةٍ يَمْتَنِعُ قَتْلُهُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِالذِّمَّةِ: الْحُرْمَةُ فِي قَوْمِهِ. وَأَوْجَهُ الْجَمِيعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مُشَاكِلٌ لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ " وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ " وَجَمِيعُ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ " عِنْدِي خَيْرٌ " وَفِعْلُ الشَّرْطِ إذَا كُرِّرَ فِي الْجَزَاءِ دَلَّ عَلَى فَخَامَةِ الْأَمْرِ، قَوْلُهُ: (قَالَ عِنْدِي مَا قُلْت لَك: إنْ تُنْعِمْ. . . إلَخْ) قَدَّمَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ الْقَتْلَ، وَفِي الْيَوْمَيْنِ الْآخَرِينَ الْإِنْعَامَ، وَفِي ذَلِكَ نُكْتَةٌ، وَهِيَ أَنَّهُ قَدَّمَ أَوَّلَ يَوْمٍ أَشَقَّ الْأَمْرَيْنِ عَلَيْهِ وَأَشْفَاهُمَا لِصَدْرِ خُصُومِهِ وَهُوَ الْقَتْلُ، فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ قَدَّمَ الْإِنْعَامَ اسْتِعْطَافًا، وَكَأَنَّهُ رَأَى فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَمَارَاتِ الْغَضَبِ دُونَ الْيَوْمَيْنِ الْآخَرِينَ قَوْلُهُ: (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ " قَالَ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ يَا ثُمَامَةُ وَأَعْتَقْتُكَ " وَزَادَ أَيْضًا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْأَسْرِ جَمَعُوا مَا كَانَ فِي أَهْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَعَامٍ وَلَبَنٍ، فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مِنْ ثُمَامَةَ مَوْقِعَهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ جَاءُوا بِالطَّعَامِ فَلَمْ يُصِبْ مِنْهُ إلَّا قَلِيلًا