. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نيل الأوطار
الْمُتَوَاتِرَةِ فِي حِلِّهَا، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ لَمَا كَانَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَرْقٌ، وَلَكِنَّ الْآثَارَ إذَا صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى أَنْ نَقُولَ بِهَا مِمَّا يُوجِبُهُ النَّظَرُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ أَخْبَرَ جَابِرٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَبَاحَ لَهُمْ لُحُومَ الْخَيْلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي مَنَعَهُمْ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا. قَالَ الْحَافِظُ: وَقَدْ نَقَلَ الْحِلَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ عَنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءِ أَحَدٍ، فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ جُرَيْجٍ: لَمْ يَزَلْ سَلَفُكَ يَأْكُلُونَهُ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْت: أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَأَمَّا مَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ كَرَاهَتِهَا فَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدَيْنِ ضَعِيفَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ لِحِلِّ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} الأنعام: ١٤٥ الْآيَةُ، وَذَلِكَ يُقَوِّي أَنَّهُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْحِلِّ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَمَرَ بِلُحُومِ الْخَيْلِ» قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَصَحَّ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَمَالِكٍ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ التَّحْرِيمُ، قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ: الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْكَرَاهَةُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقَّقِينَ مِنْهُمْ التَّحْرِيمُ، وَقَدْ صَحَّحَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّحْرِيمَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ كَمَا حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ، وَلَكِنَّهُ حَكَى الْحِلَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ.
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ» .
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: أَهْلُ الْحَدِيثِ يُضَعِّفُونَ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ، قَالَ الْحَافِظُ: لَا سِيَّمَا فِي يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، فَإِنَّ عِكْرِمَةَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي تَوْثِيقِهِ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ، لَكِنْ إنَّمَا أَخْرَجَ لَهُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ: أَحَادِيثُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ضَعِيفَةٌ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدِيثُهُ عَنْ يَحْيَى مُضْطَرِبٌ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ إلَّا فِي يَحْيَى. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُهُ مِنْ غَيْرِ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ مُضْطَرِبٌ. وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذِهِ الطَّرِيقِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى عِكْرِمَةَ فِيهَا، فَإِنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ لَيْسَ فِيهِ لِلْخَيْلِ ذِكْرٌ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي زَادَهُ حَفِظَهُ، فَالرِّوَايَاتُ الْمُتَنَوِّعَةُ عَنْ جَابِرٍ الْمُفَصِّلَةُ بَيْنُ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْحُمُرِ فِي الْحُكْمِ أَظْهَرُ اتِّصَالًا وَأَتْقَنُ رِجَالًا وَأَكْثَرُ عَدَدًا.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ مَا رَوَاهُ فِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ» .
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ لِأَنَّ فِي سِيَاقِهِ أَنَّهُ شَهِدَ خَيْبَرَ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ إلَّا بَعْدَهَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ خَالِدٍ وَفِيهَا مَجْهُولٌ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ جَابِرَ أَيْضًا لَمْ يَشْهَدْ خَيْبَرَ كَمَا أَعَلَّ الْحَدِيثَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ. إلَّا أَنَّنَا نَقُولُ: