بَابُ مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَلَغْوِ الْيَمِينِ
٣٨٣٢ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَهْتُ مُؤْمِنٍ، وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ» ) .
٣٨٣٣ - (وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ: فَعَلْت كَذَا؟ قَالَ:
ــ
نيل الأوطار
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ. وَالثَّانِي: تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي كَقَوْلِهِ إنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ يَهُودِيٌّ. وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَنْ لَمْ يَرَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً، بَلْ جَعَلَ الْمُرَتَّبَ عَلَى كَذِبِهِ قَوْلُهُ: فَهُوَ كَمَا قَالَ
قَالَ: وَلَا يَكْفُرُ فِي صُورَةِ الْمَاضِي إلَّا إنْ قَصَدَ التَّعْظِيمَ، وَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِكَوْنِهِ تَنْجِيزًا مَعْنًى فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِينٌ لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحِنْثِ بِهِ كَفَرَ لِكَوْنِهِ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ إذَا كَانَ كَاذِبًا، وَالتَّحْقِيقُ: التَّفْصِيلُ، فَإِنْ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَ مَا ذَكَرَ كَفَرَ، وَإِنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ التَّعْلِيقِ فَيُنْظَرَ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ كَفَرَ لِأَنَّ إرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَإِنْ أَرَادَ الْبُعْدَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ لَكِنْ هَلْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا؟
الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ: (كَاذِبًا) زَادَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " مُتَعَمِّدًا " قَالَ عِيَاضٌ: تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ يُسْتَفَادُ مِنْهَا أَنَّ الْحَالِفَ مُتَعَمِّدًا إنْ كَانَ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ كَاذِبٌ فِي تَعْظِيمِ مَا لَا يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَهُ لَمْ يَكْفُرْ، وَإِنْ قَالَهُ مُعْتَقِدًا لِلْيَمِينِ بِتِلْكَ الْمِلَّةِ لِكَوْنِهَا حَقًّا كَفَرَ، وَإِنْ قَالَهَا لِمُجَرَّدِ التَّعْظِيمِ لَهَا احْتَمَلَ
قَالَ الْحَافِظُ: وَيَنْقَدِحُ بِأَنْ يُقَالَ: إنْ أَرَادَ تَعْظِيمَهَا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ قَبْلَ النَّسْخِ لَمْ يَكْفُرْ أَيْضًا. قَالَ: وَدَعْوَاهُ أَنَّ سُفْيَانَ تَفَرَّدَ بِهَا، إنْ أَرَادَ بِالنِّسْبَةِ إلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَعَسَى فَإِنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَيُّوبَ وَسُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَوْلُهُ: (فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَهُوَ كَمَا قَالَ)
قَالَ فِي الْفَتْحِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ التَّهْدِيدَ وَالْمُبَالَغَةَ فِي الْوَعِيدِ لَا الْحُكْمَ كَأَنْ قَالَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ مِثْلَ عَذَابِ مَنْ اعْتَقَدَ مَا قَالَ، وَنَظِيرُهُ «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» أَيْ اسْتَوْجَبَ عُقُوبَةَ مَنْ كَفَرَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرُ: لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْكُفْرِ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَاذِبٌ كَذِبَ الْمُعَظِّمِ لِتِلْكَ الْجِهَةِ