وَذَكَرَهُ، جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِهِ وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَقَدَّرَتْ الْأَنْصَارُ وَالنَّاسُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسْ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الْجَدْرِ "، فَكَانَ ذَلِكَ إلَى الْكَعْبَيْنِ.
وَفِي الْخَبَرِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ لِلْخَصْمِ وَالْعَفْوِ عَنْ التَّعْزِيرِ) .
بَابُ جُلُوسِ الْخَصْمَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا
ــ
نيل الأوطار
بَابُ النَّهْيِ عَنْ الْحُكْمِ فِي حَالِ الْغَضَبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُشْغِلُ
قَوْلُهُ: (لَا يَقْضِيَنَّ. . . إلَخْ) قَالَ الْمُهَلِّبُ: سَبَبُ هَذَا النَّهْيِ أَنَّ الْحُكْمَ حَالَةَ الْغَضَبِ قَدْ يَتَجَاوَزُ بِالْحَاكِمِ إلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَمَنَعَ، وَبِذَلِكَ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: النَّهْيُ عَنْ الْحُكْمِ حَالَةَ الْغَضَبِ لِمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ مِنْ التَّغَيُّرِ الَّذِي يَخْتَلُّ بِهِ النَّظَرُ فَلَا يَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَجْهِ.
قَالَ: وَعَدَاهُ الْفُقَهَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى إلَى كُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَغَيُّرُ الْفِكْرِ كَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ الْمُفْرِطَيْنِ، وَغَلَبَةِ النُّعَاسِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقَلْبُ تَعَلُّقًا يَشْغَلُهُ عَنْ اسْتِيفَاءِ النَّظَرِ وَهُوَ قِيَاسُ مَظِنَّةٍ عَلَى مَظِنَّةٍ، وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ الْغَضَبِ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَى النَّفْسِ وَصُعُوبَةِ مُقَاوِمَتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ «لَا يَقْضِي الْقَاضِي إلَّا وَهُوَ شَبْعَانُ رَيَّانُ» انْتَهَى. وَسَبَبُ ضَعْفِهِ أَنَّ فِي إسْنَادِهِ الْقَاسِمَ الْعُمَرِيَّ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ.
وَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَلَا مُوجِبَ لِصَرْفِهِ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إلَى الْكَرَاهَةِ، فَلَوْ خَالَفَ الْحَاكِمُ فَحَكَمَ فِي حَالِ الْغَضَبِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ صَادَفَ الْحَقَّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى لِلزُّبَيْرِ بَعْدَ أَنْ أَغْضَبَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ، فَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ قَرِينَةً صَارِفَةً لِلنَّهْيِ إلَى الْكَرَاهَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلْحَاقُ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ عَنْ الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ فِي رِضَاهُ وَغَضَبِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا عِصْمَةَ تَمْنَعُهُ عَنْ الْخَطَأِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ فِي حَالِ الْغَضَبِ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَضَبُ طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ اسْتَبَانَ لَهُ الْحُكْمُ فَلَا يُؤَثِّرُ وَإِلَّا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ تَفْصِيلٌ مُعْتَبَرٌ. وَقَيَّدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيِّ الْكَرَاهَةَ بِمَا إذَا كَانَ الْغَضَبُ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَاسْتَغْرَبَ الرُّويَانِيُّ هَذَا وَاسْتَبْعَدَهُ غَيْرُهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَلِلْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ نَهَى عَنْ الْحُكْمِ حَالَ الْغَضَبِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنِيرِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ حَدِيثَيْ الْبَابِ بِأَنْ يَجْعَلَ الْجَوَازَ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوُجُودِ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّهِ وَالْأَمْنِ مِنْ التَّعَدِّي، أَوْ أَنَّ غَضَبَهُ إنَّمَا كَانَ لِلْحَقِّ فَمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ جَازَ وَإِلَّا مُنِعَ وَقَدْ تُعُقِّبَ الْقَوْلُ بِالتَّحْرِيمِ وَعَدَمُ انْعِقَادِ الْحُكْمِ بِأَنَّ النَّهْيَ الَّذِي يُفِيدُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ هُوَ مَا كَانَ لِذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَوْ لِجُزْئِهِ أَوْ لِوَصْفِهِ الْمُلَازِمِ لَهُ لَا الْمُفَارِقِ كَمَا هُنَا، وَكَمَا فِي النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ حَالَ النِّدَاءِ لِلْجُمُعَةِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُقَرَّرَةٌ فِي الْأُصُولِ مَعَ اضْطِرَابٍ فِيهَا وَطُولِ نِزَاعٍ وَعَدَمِ اطِّرَادٍ. قَوْلُهُ: (أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ) اسْمُهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ وَقِيلَ حُمَيْدٍ، وَقِيلَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَنْصَارِيِّ، وَقِيلَ إنَّهُ